الاربعون حديثا :52
وهيأ لنا البيئة والهواء المناسبين وباقي النعم العظيمة الظاهرة والباطنة . كما اعد لنا الكثير في العالم الآخر وفي البرزخ قبل ذهابنا الى هناك ، قد طلب منا هذا المتفضل قائلا :
«اخلص قلبك لي او لاجل كرامتي ، كي تحصل انت على النتيجة ، وتحصل انت على الفائدة» ومع ذلك لا يلقى منا اذنا صاغية بل يرى التمرد عليه والسير على خلاف رضاه ، فاي ظلم عظيم نكون قد اجترحناه بذلك ؟! واي مالك الملوك نحارب ؟! ونتيجة يذلك كله تكون وبالا علينا نحن ، اما الله تعالى فلا يصاب سلطانه بضرر ولا ينقص من ملكه شيء ولا نخرج من سلطنته وسلطته ، حتى اذا كنا مشركين لانه الحقنا الضرر بانفسنا ، «... فان الله غني عن العالمين» (1) فهو غني عن عبادتنا واخلاصنا وعبوديتنا ، ولا يؤثر تمردنا وشركنا وابتعادنا عنه شيئا في مملكته ، وحيث انه ارحم الراحمين فقد اقتضت رحمته الواسعة وحكمته البالغة ان يعرض لنا طريق الهداية وسبيل الخير والشر والحسن والقبح ويدلنا على زلات طريق الانسانية ، ومزالق طريق السعادة ، ولله تعالى في هذه الهداية والارشاد بل في هذه العبادات والاخلاص والعبودية ، له علينا منن عظيمة وجسيمة بحيث لا يمكن ان نفهمها ما لم تنفتح عين البصيرة والبرزخية التي ترى الواقع ، ومادمنا في هذا العالم الضيق والمظلم ، وفي ظلام الطبيعة ، ومادمنا مقيدين بسلاسل الزمان ، والسجن المظلم للمكان الممتد ، فانا لا ندرك منن الله العظيمة علينا ، ونتصور ان نعم الله علينا تتلخص في هذا الاخلاص وهذه العبادة ، وفي ذلك الارشاد وتلك الهداية فحسب .
لا تتوهم ابدا ان لنا المنة على الانبياء العظام والاولياء الكرام او على علماء الامة وهم الادلاء الى سعادتنا ونجاتنا ، والذين انقذونا من الجهل والظلمة والشقاء ، ودعونا الى عالم النور والسرور والبهجة والعظمة والذين تحملوا ولا زالوا يتحملون كل هذه المشاق والمصاعب من اجل تربيتنا وانقاذنا من تلك الظلمات التي تلازم الاعتقادات الباطلة ، والجهل المركب بكل اشكاله ، ومن انواع الضغوطات والعذاب الذي هو صورة الملكات والاخلاق الرذيلة ، ومن تلك الصور الموحشة والمرعبة التي هي ملكوت اعمالنا وافعالنا القبيحة وكذلك لاجل ايصالنا الى تلك الانوار وانواع البهجة والسرور والراحة والانس والنعيم والحور والقصور التي لا نقدر ان نتصورها ، حيث ان عالم الملك هذا مع كل ما له من عظمة ، اضيق من ان يحتوي على واحدة من حلل الجنة ، وان اعيننا لا تطيق رؤية شعرة واحدة من شعر حور العين ، وتكون كل هذه المثوبات صورا ملكوتية لتلك العقائد والاعمال والتي ادركها الانبياء العظام ، خصوصا صاحب الكشف الكلي والكتاب الجامع خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله وسلم ، ادركوها بالوحي الالهي وراوها وسمعوها ودعونا اليها ، ونحن المساكين كالاطفال ، المتمردين على الاربعون حديثا :53
पृष्ठ 52