خف ، حتى يستغفر الله خمسا وعشرين مرة) (1) .
فيظهر من هذه الاحاديث بأن الاستغفار لا يختص فقط بالذنوب التي تتنافى مع العصمة ، وأن المغفرة والذنب في الآية لا تكونا من المغفرة والذنب المصطلح عليها عرفا لدى عامة من الناس . ولا تتنافى هذه الآية الشريفة مع المقامات المعنوية من العصمة بل تؤكدها . لأن من لوازم السلوك الروحاني وإجتياز المدارج والوصول الى أوج الكمال الانساني ، هو غفران الذنوب . لأن كل موجود في هذا العالم نتاج هذه النشأة الملكية والمادة الجسمية ، وله كافة الشؤونات الملكية الحيوانية والبشرية والانسانية المتوفرة بعضها بالفعل وبعضها بالقوة .
فإذا أراد السفر من هذا العالم إلى عالم آخر ، ومنه الى مقام القرب المطلق ، لا بد من اجتياز هذه المدارج ، والعبور من المنازل الواقعة في الطريق ، وعندما يصل الى مرتبة ، تغفر له ذنوب المرتبة السابقة وهكذا حتى تغفر له جميع الذنوب في ظل التجليات الذاتية الأحدية ، ويستتر الذنب الوجودي الذي هو منشأ كافة الذنوب في ظل الكبرياء الأحدي . وهذه هي غاية عروج كمال الموجود . ويحدث في هذا المقام الموت والفناء التام . ولهذا عندما نزلت الآية الشريفة «إذا جاء نصر الله والفتح» على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن هذه السورة تنبأ بموتى (2) . والله العالم .
فصل: في حقيقة الشكر
إعلم أن الشكر عبارة عن تقدير نعمة المنعم . وتظهر آثار هذا التقدير في القلب في صورة . وعلى اللسان في صورة اخرى ، وفي الافعال والاعمال بصورة ثالثة .
أما آثاره القلبية فهي من قبيل الخضوع والخشوع والمحبة والخشية وأمثالها . وأما آثاره على اللسان ، فالثناء والمدح والحمد ، وأما آثاره في الاعضاء فالطاعة واستعمال الجوارح في رضا المنعم وأمثاله .
ونقل (3) عن الراغب (الشكر تصور النعمة واظهارها . قيل وهو مقلوب عن الكشر أي الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، ودابة شكور مظهربسمنه إسداء صاحبه إله . وقيل أصله من عين شكري : أي ممتلئة ، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه . والشكر ثلاثة أضرب : شكر بالقلب وهو تصور النعمة . وشكر باللسان وهو الثناء على المنعم .
पृष्ठ 318