Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
प्रकाशक
دار النهار للنشر بيروت
शैलियों
السلطة، يتدرج من «الملك الطبيعي» القائم على العصبية والمستهدف خير الحاكم، مرورًا «بالملك السياسي» المسترشد بالنظر العقلي والمعتمد مبادئ العدل الطبيعي لتحقيق خير الحاكم أو خير المحكومين، ثم ينتهي بالدولة القائمة على مبدأ الشريعة الإلهية المنزلة المستهدف تأمين المصالح الأخروية والدنيوية معًا (١٩). وهذا النوع الأخير هو أعلى ما يمكن تحقيقه من أنواع الدولة، ما دامت «مدنية الحكماء الفاضلة نادرة أو بعيدة الوقوع» (٢٠).
يبين ابن خلدون أن هذه الأنواع مترابطة نشوئيًا ومنطقيًا على حد سواء. فالواحد منها ينزع إلى النشوء عن الآخر بتعاقب منتظم. فالسلطة الملكية تبرز إلى الوجود، بادئ الأمر، بحكم الضرورة: إذ على الناس أن يتعاونوا ليعيشوا، ولا يمكنهم التعاون إلا إذا كبتوا ميولهم الأنانية. وهي تنشأ، بطبيعة الحال، على يد فئة وحدتها العصبية، أي «التضافر واستماتة كل واحد دون صاحبه» (٢١). ولما كان للبدو عصبية من نوع خاص، وكان لهم من الصلابة والشجاعة ما ليس لسكان المدن عادة، فقد كانوا الأساس والمعين للعمران والمدن. ولكن، ما أن تقوم الدولة، حتى يفقد جمهور الشعب العصبية التي بها قامت الدولة، ويحل محلها، كقاعدة لسلطة الحاكم، شيئان آخران: الأول «قوة الاقتداء التي تجعل المغلوب مولعًا أبدًا بالاقتداء بالغالب (لأن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه)» (٢٢)، أو «التكاسل الحاصل في النفوس إذا ملك عليها أمرها وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم» (٢٣). والثاني، قيام فريق جديد من المرتزقة أو الموالي يتسنى للحاكم الاعتماد عليهم، لما ينشأ فيما بينهم من عصبية خاصة تمكن الحاكم من الاستغناء عن العصبية التي كانت قد حملته إلى الحكم أصلًا. ثم يلي ذلك عهد من الحكم المطلق، يكون الحاكم فيه لا يزال متمتعًا بسلطة كاملة ورأي مستقل، فيزدهر العمران، لأن الحياة المدنية والازدهار الناجم عن توزيع العمل بحاجة إلى سلطان سياسي قوي.
1 / 37