Arab Thought in the Renaissance Era
الفكر العربي في عصر النهضة
प्रकाशक
دار النهار للنشر بيروت
शैलियों
إن المبدأ المنظم للأمة هو الشريعة. لذلك يجب أن تفي الشريعة بجميع أغراض الحياة والحكم. وهذا يعني أنه ينبغي تجنب موقفين متطرفين: موقف الفقهاء المتزمتين القائلين بأن على الحاكم أن يسترشد بالشريعة وحدها، مع أنها كانت قد اتخذت، في ذلك الحين شكلًا متحجرًا؛ وموقف الحكام المدعين حق التقرير على ضوء الظروف، والمعتبرين الشريعة مبدأً سلبيًا لا غير، من شأنه فقط أن يعين الحدود التي لا يجوز تخطيها. بين هذين الموقفين وقف ابن تيمية موقفًا وسطًا، فقال إن مفهوم الشريعة يجب أن يتسع كي يشمل جميع الأفعال المترتبة حتمًا على وظيفة الحاكم، وصلاحية التقدير التي بدونها لا يستطيع الحاكم البقاء في الحكم ولا رعاية خير الأمة. بذلك تعود الشريعة إلى احتلال مركزها السابق كمبدأ موجه للحكم وللأمة. وتوخيًا لهذه الغاية، دفع ابن تيمية بالمفهوم الحقوقي «للمصلحة العامة» في اتجاه جديد. لقد اعتبرت جميع المذاهب الفقهية السنية الحكم العقلي بالقياس عنصرًا من عناصر التأويل الشرعي الضروري. إلا أن كلًا منها رأى ضروريًا أيضًا إضافة عنصر آخر لتوجيه هذه العملية (لدى الاختيار بين قياسين متعادلين مثلًا) أو لإكمالها ضمن حدود معينة، كعنصر المصلحة العامة: فلما كان ما يبتغيه الله بشرائعه إنما هو الخير العام، توجب أن تكون المصلحة العامة معيارًا لتفضيل تفسير معين دون بقية التفسيرات الأخرى.
على أن ابن تيمية لم يطبق، كغيره من الفقهاء، هذا المبدأ في دائرة العبادات، إذ ليس لدينا من وسيلة لمعرفة مقاصد الله فيها، لكنه رأى واجب تطبيقه في دائرة المعاملات. فكل ما يؤول إلى خير البشر، دون أن يكون منهيًا عنه بنص صريح، إنما هو ليس بجائز فحسب، بل واجب أيضًا على سبيل الاستلزام. ولا يمكن لمهمة الاجتهاد الرامية إلى تقرير ما يؤول إلى خير البشر، أن تنتهي. فقد يكون إجماع صحابة النبي معصومًا عن الخطأ لما كانوا عليه من
1 / 34