ومذهب التحرير في القرن العشرين لا بد أن يشتد أزره؛ لأنه يشتغل بالنضال في جبهات كثيرة متنوعة. يجب أن يدافع عن سوق الآراء الحرة ضد المؤمنين بالعنصرية، والمحترفين للوطنية، والمدافعين عن الحالة الراهنة الذين يودون أن يجمدوا عدم التكافؤ القائم في الفرص والقوى الاقتصادية بخنق حرية النقد. ولا بد أيضا من حماية مذهب التحرير من عملاء الاستبداد الشيوعي والمدافعين عنه، الذين بدلا من أن يدافعوا بنزاهة عن زندقتهم، يلجئون إلى وسائل تآمرية تقوم بها جمعيات سرية، وغير ذلك من حيل الطابور الخامس.
ومذهب التحرر الواقعي يدرك أن البقاء يقتضينا أن نجد حلا لمشكلات شاقة كثيرة، كما يدرك أنها لا يمكن أن تحل إلا عن طريق العقل، لا عن طريق الفصاحة وحجة العقيدة. إن الخطر الأكبر الذي يهددنا ليس هو الخوف من الأفكار، وإنما هو «انعدام» الأفكار، وأقصد الأفكار الخاصة، التي تعالج المشكلات الملموسة على الفور، وهي مشكلات بلغت من التعقيد حدا لا يستطيع الزعم بإيجاد حلول لها جميعا إلا الجاهلون.
ومذهب التحرر - أخيرا - لا يتصور الحياة في مجرد البقاء وفي السلام بأي ثمن، وإنما يتصورها في ضوء الآراء والمثل التي لا يمكن أن تتحقق بدونها حياة جديرة بالإنسان.
7 (1-6) عقيدة الطبيعي
من الحق بغير شك أن الموطن الكوني للإنسان يحد من قوته إن لم يحد من أحلامه؛ فهو مصدر دائم لتذكيره بقصوره إزاء صعوبة انقياد الأشياء وصفة الزوال في كل ما يبني. ولكن من الحق أيضا أن قصور الإنسان هو مصدر فرصة، وهو شرط ضروري لكل عمل يؤديه. ومن هذا الحق وذاك لا نستطيع أن نستنتج أن الطبيعة كفيلة بمثل الإنسان العليا، أو هي على الأقل ليست كفيلة بمثله الديمقراطية، ولكنها أيضا ليست عدوا للمثل الإنسانية، إنما أصدقاء الإنسان وأعداؤه هم غيره من بني الإنسان؛ فالديمقراطية لا تحتاج إلى تعضيد كوني سوى «فرصة» فعل الخير. وهذه الفرصة تتوافر لها؛ لأن الإنسان جزء من الطبيعة. وليس من المعقول أن نتطلب أكثر من ذلك، حتى إن كان يستحق الطلب. والطريقة التي يعمل بها الإنسان وفقا لما لديه من فرص دليل آخر على ما في الوجود من إمكانيات موضوعية وقدرة على التجديد. والرجل الديمقراطي العاقل يواجه مخلصا إمكانيات الوجود، وغيبياته، وما ظهر منه، وتقلباته، وهو يواجه ذلك بمقدار صلته بمجرى الأمور، وهو رجل متحرر من الجنون الخيالي الذي يسعى إلى نبذ حقائق العلم، ومن تلك العقيدة العجيبة التي تؤمن بأن الطبيعة جمهورية ديمقراطية، وهي عقيدة لا يمكن قبولها إلا باعتبارها خيالا شعريا. إنه يقبل الدنيا كما يصفها العلم، وهو يستخدم معرفته بالدنيا لكي يزيد من سلطان الإنسان على الأشياء، ويحد من سلطانه على الإنسان، ولكي يقوي الزمالة بين الأشخاص الأحرار المتساوين الذين يجاهدون في سبيل قيام مجتمع أسعد وأعدل.
8
المصادر
المقتطفات التي اخترناها هنا لسدني هوك مقتبسة من كتابه «زندقة لا مؤامرة»، ومن مقالاته «المذهب الطبيعي والديمقراطية» في كتبه «المذهب الطبيعي وروح الإنسان»، ومن مقاله «المستحب والعاطفي في أخلاق ديوي» في كتابه «جون ديوي: فيلسوف العلم والحرية»، ومن مقاله «الدين ورجال الفكر» في «مجلة الحزبي».
1
من كتاب «المذهب الطبيعي وروح الإنسان».
अज्ञात पृष्ठ