كل المختارات في هذا الفصل مقتطفة من كتاب «الإنسان لنفسه» لإريك فروم.
الجزء الثاني
مختارات من الفلاسفة الدينيين
الفصل السابع
جاك ماريتان
(1882م-...)
ظل الفيلسوف الفرنسي جاك ماريتان سنوات عدة شخصية رئيسية في الحركة الاشتراكية الجديدة في القرن العشرين. وقد أدخل عمق العلم ومرونة الخيال على تفسيره لفلسفة القديس توماس أكويناس - وهو موضوع حاضر فيه في جامعات العالم الغربي كله؛ في لوفان وجنيف وفريبورج وميلان وأكسفورد وسانتاندر، وجامعات شيكاغو وبرنستون وكولومبيا وأنجليكام بروما ومعهد دراسات العصور الوسطى في تورنتو وكندا. غير أن «ما يسترعي النظر فيه ليس شرحه لمبادئ توماس، وإنما قدرته على النمو العقلي المستمر» كما قال ناقد صديق له. وقد شغل ماريتان نفسه بجميع التيارات الفكرية والروحية في العالم المعاصر، كما يتبين من كتاباته في المنطق الصوري، ونظرية المعرفة، وتاريخ الفلسفة، والفن، وعلم الجمال، ونظرية الدولة، وبخاصة في العلاقة بين المسيحية والديمقراطية، والتربية، وفي الأمور الحيوية في زماننا مثل النازية، والحركة المناهضة للسامية، والحرب والسلم. وفي كثير من تفكيره نراه وثيق الصلة بمبادئ الفردية والبشرية. وقد كتب بحرارة في «الحرية في العالم الحديث» دون أن يخفف من اعتقاده بأن «إقحام المسيحية وحقائق الكتاب المقدس في قلب الحياة الاجتماعية والثقافية، أمر لا غنى عنه لتحقق الإنسانية أغراضها، ولتبلغ الحضارة أوج كمالها.»
ولما كانت لماريتان مكانة ممتازة كممثل للكاثوليكية الحديثة، فقل من الناس من يدرك أنه كان يؤمن بغيرها وتحول إليها. ولد جاك ماريتان في الثامن عشر من شهر نوفمبر من عام 1882م في أسرة يحتفظ بيتها بجو البروتستانتية الحرة. وقد أصبحت أمه الكاثوليكية بالميلاد بروتستانتية عندما تزوج أبوها للمرة الثانية بعد وفاة أمها. واعتنق دين زوجته الجديدة البروتستانتي. وقد تلقى جاك ماريتان تعليمه بالسوربون، والظاهر أنه كان شديد السخط على الفلسفة الأكاديمية المتشككة شيئا ما، وعلى العلم المادي الذي كان يعلم هناك. وكان تلميذا للمرحوم هنري برجسن، فقبل فلسفة اللقانة، التي وصفها بعد سنوات بأنها «فلسفة غير معقولة للحركة الصافية». وفي خلال دراسته بالسوربون التقى بطالبة زميلة، هي رائسا أومانكوف، وهي مهاجرة روسية يهودية، تزوج منها في عام 1904م، وواصل الزوجان الشابان - وهما طالبان للفلسفة محترفان - بحثهما عن «المطلق»، الذي وجداه في النهاية لا في الفلسفة ذاتها، ولكن في الدين، تحت تأثير حماسة الإيمان عند ليون بلوي وشارلزبجي. وفي يونيو من عام 1908م تعمد جاك ورائسا ماريتان في الكنيسة الكاثوليكية، وهو تحول صدم أسرتيهما، غير أن التوفيق بينهما وبين أسرتيهما قد تم بمرور الزمن.
وقضى ماريتان بعض الوقت في دراسة مركزة لكتاب «سوما ثيولوجيا» للقديس توماس تحت إشراف الأب كليريساك الدومنيكي بفرساي. وكثير من كتبه الأولى، مثل «مناهضة الروح العصرية» الذي نشر في عام 1922م و«ثلاثة مصلحون» الذي صدر في عام 1928م، تعضد في صراحة إحياء مذهب توماس في العلم الحديث. ولكن ماريتان اكتسب من النقاد إعجابا أشد بكتبه التي جاءت بعد ذلك، مثل «الفن والمذهب المدرسي، والمسيحية والديمقراطية، والإنسانية الصحيحة، وحقوق الإنسان والقانون الطبيعي، والإنسان والدولة، ومدى العقل». وقد تعاونت رائسا ماريتان - وهي كاتبة وشاعرة - مع زوجها في تأليف كتاب «الصلاة والذكاء». وفي أخريات العقد الخامس من القرن العشرين، كان ماريتان سفيرا فرنسيا بالفاتيكان لدى البلاط المقدس. وكذلك قضى بعض الوقت يكتب في أمريكا بمعهد برنستون للدراسات العليا.
ويعزى إلى ماريتان أنه بشر بموجة من التحول نحو الكاثوليكية بين المثقفين في الغرب، وبخاصة في ميدان الفنون. وحتى حينما لا يتسبب في التحول كان تأثيره محسوسا، كما يتبين من تعليق ت. س. إليوت الذي قال فيه: «إنه يرى أن ماريتان هو أقوى دافع في الفلسفة المعاصرة.» (1) الإنسانية التي تدور حول الدين
अज्ञात पृष्ठ