وكان استالين من بين الحاضرين وحده الذي بقي هادئا لا يساوره اضطراب، وقال: «إذا كان هناك عضو واحد يعارض في مشروع القرار فلن نتقدم به.» ثم أضاف إلى ذلك قوله: «وربما كان زملاؤنا الإيطاليون على غير علم تام بموقفنا الداخلي.» واقترح أن تؤجل الجلسة إلى الغد، وأن يكلف أحد الحاضرين بقضاء المساء مع زملائنا الإيطاليين ليشرح لهم موقفنا الداخلي. وكل هذا الواجب الكريه إلى فاسيل كولاروف البلغاري.
وقد أدى الواجب بلباقة وروح فكهة؛ دعانا إلى تناول الشاي ذلك المساء في غرفته بفندق لوكس، ثم واجه هذا الموضوع الشائك بغير مقدمات، وقال مبتسما: «لنكن صرحاء، هل تظنون أنني اطلعت على هذه الوثيقة ؟ كلا، لم أطلع عليها ... وليس الموضوع يا أصحابي الإيطاليين الأعزاء موضوع الوثائق ... إنه موضوع النضال من أجل السلطة بين مجموعتين متعاديتين لا يمكن التوفيق بينهما، وعلى المرء أن يختار بينهما. أما أنا فقد تم اختياري؛ فأنا مع حزب الأغلبية. ومهما يكن ما تقول به الأقلية، ومهما يكن ما تفعله، وأي وثيقة تحررها ضد الأغلبية، أقول لكم مهما يكن ذلك، فإنني أؤيد الأغلبية، ولا تهمني الوثائق، فلسنا هنا في معهد علمي.» وصب لنا الشاي في الأقداح مرة أخرى.
وأخذ يتمعن فينا بعين المدرس الذي أرغم على معالجة شابين متمردين، ثم سألنا موجها إلي الخطاب بصفة خاصة: «هل كنت واضحا في كلامي؟»
وأجبت قائلا: «بكل تأكيد، كنت واضحا جدا في الواقع.» ثم سأل مرة أخرى قائلا: «وهل أقنعتكم؟» قلت: «لا.» وأراد أن يعرف لماذا، قلت: «لا بد لي أن أشرح لك لماذا أعارض الفاشستية ...»
وفي صبيحة اليوم التالي تكرر في غرفة الرؤساء السرية المنظر الذي حدث في اليوم السابق، وساد هذه الغرفة الصغيرة - التي حشر فيها اثنا عشر منا - جو غير عادي من العصبية، وسأل استالين كولاروف قائلا: «هل شرحت الموقف لزملائنا الإيطاليين؟» وأكد له البلغاري أنه شرحه شرحا وافيا. وكرر استالين ما قاله من قبل، وهو: «إنه إذا عارض في الاقتراح عضو واحد، فلن يقدم للجمعية العمومية، ولا يمكن أن يصدر قرار ضد تروتسكي إلا إذا كان إجماعيا.» ثم التفت إلينا وسأل: «هل زملاؤنا الإيطاليون يؤيدون مشروع القرار؟»
وشاورت تجلياتي ثم صرحت «بأنا نحتم الاطلاع على الوثيقة المذكورة قبل أن ننظر في الاقتراح ...»
فقال استالين: «لقد سحبنا مشروع القرار.» وبعدئذ تكرر المنظر الهستيري الذي حدث في اليوم السابق، بالرغم من احتجاج كيوسنن وركوسي وبير وغيرهم احتجاجا ينطوي على الاستنكار والغضب. واستنتج ثالمان من موقفنا «الشائن» أن اتجاه نشاطنا المضاد للفاشستية كله في إيطاليا لا بد أن يكون خاطئا، وإذا كانت الفاشستية لا تزال متأصلة جدا في إيطاليا فذلك خطؤنا قطعا؛ ومن أجل هذا طلب أن تصفى سياسة الحزب الشيوعي الإيطالي تصفية شاملة.
وفي طريق عودتي قرأت في إحدى صحف برلين أن الهيئة التنفيذية للشيوعية الدولية قد وجهت نقدا شديدا إلى تروتسكي بسبب وثيقة أعدها بشأن الحوادث الأخيرة في الصين، فتوجهت إلى مكاتب الحزب الشيوعي الألماني، وطلبت إلى ثالمان أن يدلي بتفسير ما قرأت، وقلت له في حدة: «هذا غير صحيح.»
بيد أنه ذكر لي أن ميثاق الشيوعية الدولية يخول للرياسة - في الأمور العاجلة - أن تتخذ أي قرار باسم الهيئة التنفيذية. ⋆ (1-5) استمرار إيماني بالشيوعية
أحسست في ذلك الحين كأنني رجل تلقيت ضربة شديدة على رأسي. بيد أني ما زلت قائما على قدمي، أمشي وأتكلم وأشير، ولكن دون أن أدرك تمام الإدراك كل ما حدث.
अज्ञात पृष्ठ