قبل أن تغضب ألا يسعك أن تحاول فهم ما يقال؟ ***
ليست مناقضاتنا أبعد ما فينا عن الحقيقة. ***
لم يعوزني قط لأتمتع بالأشياء أن أكون مالكا لها. ***
الحياة هي الشهوة، وحسبما نخال الشهوة حلوة أم مرة، نحكم بأن الحياة سعيدة أم شقية. ***
يسأم المرء كل شيء إلا فهم كنه الأشياء. ***
كنت في السادسة لما ابتليت بهذا التطلع العظيم، الذي أصبح عذاب حياتي ونعيمها على السواء، ووقف نفسي على نشدان ما ليس لنفس أن تدركه. ***
يقامر المقامر كما يعشق العاشق، ويشرب السكير بالضرورة، على العمياء، مدفوعا بقوة لا تقاوم. يوجد أناس كتب عليهم القمار مثلما يوجد أناس كتب عليهم الحب. من الذي اخترع حكاية ذينك النوتيين اللذين مسهما شيطان القمار؟ لقد غرقا ولم ينجوا من الموت بعد أشد المخاطر هولا، إلا لأنهما امتطيا ظهر حوت، ولكن ما كادا يأخذان مكانهما حتى تناولا النرد، وشرعا يلعبان، كل مقامر هو أحد هذين النوتيين، ومن الثابت أن في القمار ما يهيج أعصاب كل جريء مقدام، فليست باللذة الخسيسة لذة تجربة الأقدار، وليس بنعيم لا سكر فيه نعيم الذين يذوقون في لحظة طعم شهور وأعوام، بل طعم حياة كاملة ملأى بالخوف والرجاء.
كنت دون العاشرة يوم تلا علينا المسيو غربينه - أستاذنا في الصف التاسع - حكاية «الإنسان والجني»، ولكن ما زلت أذكرها كأحسن مما لو سمعتها أمس: يعطي الجني أحد الصبية كبة خيطان، ويقول له: هذا الخيط هو خيط أيامك، خذه! وكلما أردت أن تنقضي الأيام، فاجذب الخيط، فإن الأيام تمر بعجلة إذا حللت الخيط معجلا، وبتؤدة إذا حللته متئدا، فإن لم تمس الخيط قط بقيت من حياتك في الساعة التي أنت فيها، فأخذ الصبي الخيط وجذبه ليصير رجلا، ثم ليتزوج الخطيبة التي يهواها، ثم ليرى بنيه يترعرعون، ثم ليحرز الثروة الطائلة والرتب السنية، ثم ليجتاز الهموم وينجو من الأحزان والأسقام التي وفدت عليه مع السن، وأخيرا يا حسرتنا! لينهي شيخوخة ثقيلة ناصبة، وهكذا عاش الصبي منذ جاءه الجني أربعة أشهر وستة أيام.
وهل القمار إلا فن يستحضر به المرء في لحظة كل الحوادث والتقلبات، التي لا يرسلها القدر عادة إلا في ساعات كثيرة أو في عدة سنين؟ وهل هو إلا فن يجمع به المرء في لحظة كل الانفعالات المبددة في أعمار الناس الطويلة؟ هل هو إلا وسيلة يحيا بها المرء في بضع دقائق الحياة كلها؟ هل القمار إلا خيط ذلك الجني؟ القمار جلاد بين الإنسان والقدر، أو صراع يعقوب والملك، أو عهد الدكتور فاوست مع الشيطان، يقامر الإنسان على المال، والمال هو الإمكان اللامتناهي في متناول يده، فرب ورقة تسحب أو كرة تدحرج، قادرة على أن تعطي المقامر الحدائق والجنائن، والحقول والغابات، والقصور المصعدة بروجها في السماء، أجل، إن في هذه الكرة الراكضة هكتارات من الأرض الخصيبة، وسطوحا من الصفاح تنعكس مداخنها المنقوشة على مياه اللوار، فيها كنوز الفن وآيات الذوق، فيها أنفس الجواهر، وأجمل أجسام النساء، بل فيها أيضا القلوب التي كنا نحسبها لا تشرى، وكل الأوسمة وكل المناصب العالية، فيها كل ما في الدنيا من نعمة ومن سلطان، ماذا أقول؟ فإن فيها ما هو خير من كل ذلك؛ فيها الحلم به.
وتريدون ألا يقامر الإنسان؟ لو أن القمار لا يعطينا إلا آمالا بلا حد، ولا يرينا إلا ابتسام عينيه الخضراوين لما جننا به حبا، لكن له أظافر من الماس، هو هائل يعطي إذا شاء هواه البؤس والعار أيضا، ولذلك عبده الناس.
अज्ञात पृष्ठ