وهدأت الرجل أياما، وانكف الكثيرون عن ارتياد الدكان حتى أفاق الناس ليلا على صياح بطرس واستغاثته: احترق الدكان!
وكثر القيل والقال، قال فريق: هذا الحرم. وقال آخرون: الحرم لا يحرق البيوت ولكنه يضر بالشخص. أما الخوري فاحتار في حل هذه المشكلة، وهو يعرف قصصا كثيرة عن مفاعيل الحرم، إما أن يحرق دكانا وكل ما فيه من بضاعة فهذا كثير.
وبعد كد ذهن واجتهاد عنيفين وصل أخيرا إلى هذا الحل الوسط: إن لم يكن هذا الحادث من مفاعيل الحرم فهو دون شك من تأثيره؛ فالله لا يترك دينه، إنه ينجده من وقت إلى آخر ليعتبر البشر.
ونام مطمئنا إلى هذا الظفر، وقبل أن يغطي رأسه بلحافه قال للخورية: كيف رأيت «الحرم» يا خورية؟
فقالت: يحرق بيوت الناس ... وبصوت لا يسمع: ويروي غليل الخوري ...
وظل الخوري والناس مشغولين بتعليل هذه الأعجوبة، حتى كان بعد ظهر السبت، فقرع الخوري الجرس وأقبلت الرعية على الاعتراف، وفي طليعتهم حنينة زوجة بطرس صاحب الدكان.
وبعد أخذ ورد اعترفت حنينة للخوري بأنها هي التي أشعلت النار في الدكان، فعجب الخوري وصاح: أوه! أنت حرقت دكانك يا بنتي؟ هذي من يعملها غير المجانين.
فأجابت حنينة: أحسن من أن يحترق قلبي وقلبك ... حلني يا بونا.
الناطور
حنا ديب من بيت حط عليه الدهر، ولد في علية تسامي الكنيسة وتنظر إليها شزرا، أكل جده ديب حصرم الوجاهة فضرس والده، باع توته وزيتونه وكرمه وتينه حتى العلية، ولم يترك لابنه حنا غصنا يقع عليه الطير، فشب حنا واكتهل في قبو جاثم على كتف «الوطا»، تلك البطحاء الواسعة اللابسة من ورق الزيتون ثوبا لا يبلى، إذا سرحت فيها نظرك من قدام قبو حنا تخالها مظلات جيش مرابط في ذلك الغور، ترتفع بينها شجرات عفص وسنديان وبطم ركبها العريش فبدت كأنها عذارى دوار في ملاء مذيل. على حفافي هذا المنخفض المنبسط تنوء الأشجار المثمرة بأعبائها، وفي وسطه طريق عام يربط ثغور لبنان: صيدا وبيروت وجونيه وجبيل؛ بقصباته المشهورة: دوما وبشري وإهدن. كان ذلك يوم كان لبنان منيعا لم تهتك حرمته الوعرة طريق الدواليب، فقلما خلا ليل من قفل مكارين تلطف أجراس بغاله وجلاجلها وحشة الليل.
अज्ञात पृष्ठ