فتنهد وقال: أية جماعة؟ حزبنا! صار حزبنا بلا راس، لا تذكر شيئا من هذا، كل واحد يشد صوب صدره، الناس مع الواقف، إنهم لا يذكرون شيئا من تضحياتي، لا المال ولا الجهاد ولا ولا ... كأني لم أعمل شيئا يستحق الذكر.
قلت: الرب يعوض، عندك أولاد، المستقبل لهم.
فتنفض كديك الحبش، وانفتحت حدقتاه، وطفرت منهما عينان حمراوان خلتهما بيضتي عيد، وقال: كل البلا من أولادي، لا يرجى منهم خير، خاب الأمل، يضحكون مني، يهزءون بماضي والدهم، لا يذكرون يوم كانت الناس على أبوابهم مثل النمل، نسوا كل ذلك، أولاد مناحيس، شرب عرق، ولعب قمار، ورقص إلى آخر الليل، هذا شغل أولادي، طيروا كل ما جمعت.
ولما عجزت عن سماع كلمة ثناء منه نهجت نهجا آخر وقلت: وكيف ترى الطبيعة، هل تغيرت مثل الناس؟
فقال: أية طبيعة؟
فأشرت بيدي التنتين وقلت: الطبيعة ... كم يوجد طبيعة في لساننا؟
فهز برأسه وقال: تريد الطبيعة المعروفة؟ فهمت، إي نعم، كل شيء فسد، لم يبق شيء كما كان، الهواء فسد، والأرض فسدت ... أين موسم الحرير اليوم؟ أين الغلال في وقتنا الحاضر من الغلال الماضية؟ خيرات كانت دافقة، كان رطل القمح بقرشين يا شيخ، لا أمراض ولا وباء، صحة مثل الحديد، انظر اليوم، الأكل بالقراريط، الدنيا مقلوبة رأسا على عقب ... ألا ترى بعينيك؟
قلت: أرى ما تراه أنت، فما سبب كل هذا؟
فأجاب: السبب ... السبب ... السبب. وظل يمضغ السبب ويعلكه، فقلت: الاستقلال طبعا.
فالتفت ليرى إذا كنت جادا، ولكني لم أدعه في حيرته، فقلت: تذكر جلستك هنا منذ سنوات، كنت تحاضر عن محاسن هذا الزمان، كنت ترى كل شيء مليحا، وتغضب لهمسة انتقاد.
अज्ञात पृष्ठ