وقال لها حسان أيضا شيئا آخر، جعل دموعها الحزينة تخف حرارتها رويدا، فتصبح همهمة، ثم استسلاما.
وتلقت خضرة العزاء في دارها، وختمت هي وطفلها أيام الحداد في دار حسان.
وأصبح حسان أبا جديدا لسيد، وأخا لأمه ... شهدت داره الفسيحة عطفه وحنانه، وعندما ماتت خضرة بعد أعوام من زواجها لم تكن جازعة على مصير الطفل، وقد رأت بعينها حدب حسان وعنايته به ...
ويجلس حسان ذات يوم إلى نفسه وحيدا، وتزدحم على رأسه الخواطر والصور ... هذا عبد العال صديقه، ورب نعمته السابق يجرجر أكفانه، ويقبل عليه يسأله عن مصير ابنه الشاب، ماذا هو فاعل به؟ وهذه زوجته هو! زوجته الغالية التي أحبها ولم يحب سواها، ولم يتزوج إكراما لذكراها، ها هي بدورها تخطر له ساحبة أكفانها الحريرية تبحث عن زهرة - ابنتها - في أركان خياله، وتصرخ بأمنية طالما تمنتها، في حياتها، على الله؛ أن ترى زهرة عروسا تزف إلى سيد شريف!
وينهض حسان آخر الأمر، وقد انتهى إلى رأي، ولا تلبث الدار الحزينة، منذ ماتت الغالية، أن تكتسي حلة من النور والبهجة، وتدوي في أرجائها الزغاريد!
وهكذا يتزوج سيد زهرة، ويحمل عن أكتاف الشيخ عبء الإشراف على أرضه، بعزم ونشاط؛ فهو يخرج في الصباح الباكر نحو الحقل، ويعود ساعة الغروب، ويأخذ عليه العمل أحيانا أخرى كل وقته، فيقضي الأيام بعيدا عن الدار ...
وتكاد القصة أن تنتهي عند هذا الحد، وقد نعم القدر بمشاهدة منظر ساذج من حياة الريف ووفائه، لولا طرقة خفيفة على باب حجرة زهرة! إنه مصطفى صفي أبيها، ذلك الشاب الذي تعلم في مصر، وعاد يحمل في رأسه ضبابا، وعلى وجهه وسامة، وفي ملابسه أناقة، جاء ليلقاها جسدا بجسد، بعد أن لقيها بعينيه أكثر من مرة، ثم واعدها، ثم كان اللقاء.
حدث ذلك، وعميت عيون حسان عن أن ترى شيئا، وحسب سيد أن جدران الدار مكان أمين يصون جوهرته الغالية؛ فلا تراها العيون. ولكن الشيطان الذي لم يكن قد تسلل إلى نفس سيد، قد غافله وتسلل إلى جسد زوجته.
وطالت المأساة كثيرا، وتعمد الشيطان ذات يوم أن لا يغلق الأبواب! وترك السراج مشتعلا في خدر الفاسقة، وقاد قدمي سيد إلى الدار على غير عادته، وأخذ يتلهف على منظر الدماء تسيل على جوانب الشرف المهيض، وأخذ يدب كفيه ليصفق للواقعة الدامية، مقتل آثمين على فراش الخطيئة!
ولكن خاب فأل الشيطان؛ فلم يقتل سيد أحدا. لقد أسدل على الفضيحة ثوب الليل، وأطفأ السراج، ولم ينم إلى الصباح.
अज्ञात पृष्ठ