وفي المواهب اللدنية من خصائصه (عليه السلام) أنه كان يبلغ صوته وسمعه ما لا يبلغه صوت غيره ولا سمعه، قال شارحها: فقد كان يخطب فتسمعه الهواتف في البيوت، ويسمع أطيط كما السماء مر بسط ذلك في شمائله انتهى.
وانظر إلى ما أخرجه البيهقي وأبو نعيم عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) جلس يوم الجمعة على المنبر، فقال للناس: اجلسوا، فسمعه عبد الله بن رواحة، وهو في بني علم، فجلس في مكانه وفيه معجزة وكرامة، وكأنه فهم أن الخطاب عام في حق من بلغه الصوت، ولو كان خارجا عن المسجد النبوي، ولو بعيدا منه، ولذلك جلس امتثالا وأدبا، وكأن القرينة على ذلك بلوغ الصوت له بطريق المعجزة الخارقة للعادة، وإن لم يظهر لجلوسه هو في مكانه فائدة، فقد تكون موجودة ولا يطلع عليها؛ إذ قد تخفى في بعض الأوامر والنواهي، ولذلك يحكم الفقهاء على ما خفيت فيه بأنه تعبدي، والله أعلم.
وانظر أيضا إلى ما ورد من قول سيدنا عمر بن الخطاب أثناء خطبته يوم جمعة لسارية ابن زنيم الدؤلي، وكان قد أمره على جيش وسيره إلى فارس، وذلك سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، فرآهم من المدينة وهو يخطب، وقد جعل العدو عليهم كمينا على يسار الجبل:
يا سارية الجبل، الجبل، يعني خذ طريق الجبل واحذر كمين العدو، ورفع صوته فألقى الله ذلك في أسماع سارية وأصحابه، وكانوا بنهاوند بلد بأقصى العراق جنوبي همدان، بينها وبين المدينة أكثر من مسيرة شهر، فعدلوا إلى الجبل، ففتح الله عليهم وهي قضية مشهورة، أخرجها الواقدي وسيف في الفتوح، والبيهقي في الدلائل، واللالكائي في شرح السنة، وابن الأعرابي في كرامات الأولياء، وابن مردويه، وغيرهم.
راجع الإصابة في ترجمة سارية المذكور.
وفي لطائف المنن: إن القطب الحلبي الحافظ أفرد لطرقها جزءا.
قال بعضهم: وكان هذا في حياة سارية، فلما مات في مصر دفن أيضا في قلعة الجبل، فكأنه امتثل قول عمر بعد وفاته أيضا.
راجع الرحلة الكبرى لسيدي عبد الغني النابلسي.
पृष्ठ 114