فقد يقرأ الإنسان ولا يطلع، وقد يطلع ولا يقرأ، فالقراءة هي إحدى وسائل الاطلاع، وليست هي وسيلته الوحيدة.
ولماذا لا نطلع في الجنة؟
يجب أن نطلع في الجنة قبل غيرها؛ لأن المكان الذي تسكنه وتحب أن تسكنه هو أحق الأمكنة أن تطلع عليه وتعرف كل ما قيل فيه، وكل ما خطر بالبال عنه، وكل ما خامر به النفوس - غير نفسك - من خوالج الغبطة، والشوق، والرغبة، والاستطلاع.
يجب أن نطلع في الجنة؛ لأن الساعة الحاضرة فيها لا تكفينا، ومن حقها علينا أن نعرفها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وأن نحيط فيها بشعورنا وشعور الآخرين الذين اختبروها غير خبرتنا، وشهدوا منها غير ما شهدناه ...
فإن لم تكن لنا وسيلة إلى ذلك غير الكتاب فليكن الكتاب في الجنة، ولا يعقل أن تنقص الجنة حيث تكمل المدن العامرة في هذه الدنيا.
ويقول قائل: أقراءة في الجنة؟! إذن أنت سوسة كتب يا صاح!
كلا أيها القائل، وهذه غلطتك الكبرى، فإن سوسة الكتب هو الذي يعيش في الكتب كما يعيش السوس، وأما الذي يقرأ الكتاب ليوسع حياته في العالم، فالكتاب عنده طريق إلى عالمه، أو هو نظارة يكبر بها نظره ليضاعف رؤيته، فهو من صميم الحياة، وليس بالصومعة التي تعزل ساكنها عن الحياة ...
وأيا كان الرأي في طلب المعرفة فالواقع أنها هي المقياس الذي أعرف به ما بقي لي من الشباب؛ لأنها هي العمل الواحد الذي حصل بالأمس، ويحصل اليوم، وسيحصل غدا إلى أن يشاء الله. •••
وأحمد الله، لم يتغير من ذلك شيء إلا قوة النظر على طول القراءة، فليس في طاقتي اليوم أن أثابر على القراءة أكثر من ساعة واحدة، ثم أستريح هنيهة قبل أن أعاودها، وقد كانت تطول في إبان الشباب بضع ساعات متواصلات.
وأحمد الله مرة أخرى؛ لأنه نقص يقابله عوض حسن، فالساعة اليوم أبرك من ساعات، مع المرانة على التحصيل، وعلى الكتابة والتسجيل.
अज्ञात पृष्ठ