मैं अस्तित्व का साम्राज्य हूँ
أنا سلطان قانون الوجود
शैलियों
قلت لها: أنت كالعدرة مريم.
رفعت حاجبها في استنكار مذعور، ولكنها عادت تبتسم كأنما عيب ما أقول، ورغم هذا سألتني: كيف؟
قلت لها: وأنا أراك من النافذة كنت كالعدرة، بدون المسيح يا حنونة، أنت حنونة - وكم كان يمتعني دائما أن أناديها باسمها وكأنما أستمتع بنطق الاسم وطعمه في فمي - أنا المسيح وأنت العدرة. خليني مسيحك وأنت عدرتي.
كادت، بل ضربتني على يدي فعلا، إنما برفق تنهاني. ولكن الفكرة كانت قد استبدت بعقلي، ولم تكن بنت لحظتها. لا بد أنها نبتت في ذلك اليوم الذي كنا فيه منفردين كالعادة في منزلهم، وكنت أحدق في صورة العذراء مريم وهي تحتضن ابنها المسيح بحنان زائد. كانت ألوان الصورة قديمة وباهتة، ومن رأس مريم كانت تخرج إشعاعات تذهب في كل اتجاه، وكان عيسى طفلا جميلا جدا يبتسم بسعادة الابن المدرك أنه في أحضان أمه ، وفي كنف رعايتها وحنانها، وكانت مريم أيضا تبتسم، شبح ابتسامة يعبر وجهها وشفتيها، وكأنها تدرك أن صورة ما ستؤخذ لها، وتريد أن تضمن الصورة ابتسامة أم سعيدة بابنها حقا.
وحين التفت أحادث حنونة أحسست على الفور أني أريد أن أرتد طفلا، أرتكن إلى حضن حنونة وتسعد بي مثل سعادة العدرة مريم بمسيحها، ولكني، في ذلك اليوم، وأنا أطلب منها أن تكون عذرائي وأن أكون مسيحها، لم أكن أفعل ذلك وفي ذهني أن أتحول إلى طفل صغير تحتضنه أمه. هناك، وراء سؤالي وطلبي كانت ترقد رغبة قوية قديمة عارمة، أن أحتضن أنا حنونة. آخذها بين ذراعي، وأطبق عليها، ليس بعنف وقوة، فأنا أعرف أنها رقيقة هشة، إنما بحنان ورفق ورقة أريد أن أطبق عليها، أريد بيدي إذا أطبقت وبحضني إذا احتواها أن أحتويها تماما، وأصغرها وأدخلها بطريقة ما في صدري فتلك هي الوسيلة الوحيدة في رأيي لإسكات هذا الإحساس المستمر برغبتي في الاقتراب منها والالتصاق الدائم بها.
كنت أريد أن أقترب منها الاقتراب الأكبر، اقترابا أكبر بكثير مما كنا نفعله مع البنات ونحن نلعب لعبة الزواج في المخازن القديمة.
حدقت في حنونة طويلا. كانت تلك أول مرة أراها تحدق في على هذا النحو الغريب. كثيرا ما كنت أسأل نفسي عن رأيها في أو إحساسها نحوي؛ ففي معاملتها لي لم أكن أحس بذلك الشيء الخاص الذي تنفرد به العلاقات الخاصة، كنت أحس بنفسي وكأني في نظرها لست سوى صبي في الرابعة عشرة، مجرد صبي آخر في عينها ذات الستة عشر ربيعا، حقيقة تربطها به علاقة ورفاقة وتآلف واتفاق، ولكن لا شيء أكثر من هذا في تحديقها هذه المرة، أحسست فجأة باللمعة في عينيها تأخذ ذلك الطابع الذي طالما هفوت إليه؛ طابع الإحساس بالخصوصية، أحسست أنها نظرة موجهة لي أنا، وأنها تقول بها كلاما كثيرا تخجل أن تقوله العين نفسها، ولا تفصح عنه سوى النظرة، بل هو كلام لا يمكن - أو كان لا يمكن في نظري - أن تقوله عين، وبالذات عينها ، كلام لم أملك معه إلا أن أقترب منها. كثيرا ما كان أحدنا يلتصق بالآخر ونحن سائران ويتأبط ذراعه، ولكن تلك أول مرة نقترب فيها إلى هذه الدرجة. ولم أكن، كائنة ما دارت أحلامي وأمنياتي، أتصور أن يحدث ما حدث، وأن فجأة تضمني حنونة إلى صدرها، بقوة مرتعشة مستعجلة مفاجئة، وتطبع على جبيني قبلة سريعة، لا بد احمر لها وجهي كثيرا. ورفعت رأسي وأصبح وجهي يقابل وجهها. كنا انثنينا نلهث، وجاءت المفاجأة الرائعة الثانية؛ فقد وجدتها تنحني، وأنا الأقصر قليلا، وتقبلني في شفتي، قبلة سريعة أيضا، عظيمة الاضطراب والارتجاف حتى لقد أحسست بموجات الارتعاش التي تجعد شفتيها تنطبع على شفتي، قبلة سريعة كأنها البرق، ولكنها البرق، ولكنها شملتني بكهرباء نعناعية المذاق تفتحت لها كل مسام روحي وانتعش قلبي وكأنه طائر ربيع بكر في اليقظة، قبلة خلفتني إلى أعظم اضطراب شعرت به في حياتي إلى تلك اللحظة، فوكأنني فجأة قد أدركت، بالقبلة أن حنونة بنت، فيها من ذلك الشيء الذي يميز جنس النساء، والذي يجعلهن يرتدين تلك الألوان والأثواب ويتضمخن بالعطور، ويصلصلن بالغوايش والخواتم والعقود، فيها من ذلك الذي يبرز الصدور ويجعل الجلد في نعومة الحرير وللصوت ذلك النغم الرقيق في مقابل صوت الرجل الخشن كجسده الشوكي كذقنه، الداكن كوجهه وشعر صدره. حنونة إذن أنثى. اضطرابي كان سببه أني أبدا لم أتصور هذا قبلا أو أحلم به. حنونة في نظري كانت كالعدرة كالآلهة، كالمتسببة العظمى في كل خلجة سعادة يحفل بها الكون، الله جل جلاله، الله سبحانه، وليغفر لي الذنب أنثى. لجزء من جزء الثانية عاودني الشعور وأنا لا أزال أستجيب لاحتضانها بيدي تلتف حولها وتضمها، أحس أني أضم عذرية الكون الأزلية، عاودني الشعور ولم يزايلني. سقط في قاع عقلي ولم يبرحه وظل كالأماني العميقة حبيسة تقديس العرف والمعقول والتقاليد أمنية أن تذوب الذات الصغرى في الذات الأعظم، أن تحب الله إلى الفناء، أن يتم الاتصال الخالد بينك وبين السر الكوني الأعظم.
وحتى لو كنت قد نجحت في تصور حنونة أنثى وفي إنزالها من الملكوت إلى الأرض جسما من لحم وعظم، فقد كان من المحال أن أقرن هذا التصور بنفسي، من المحال أن أتصور علاقة لي تقوم مع حنونة الأنثى حتى لأفعل معها مثلما أفعل مع سائر البنات، حاولت كالمجنون أعيد القداسة إلى مكانها، أستعيد إحساسي أنها الأعظم، وأن ما تشعه في الكون من جمال ورشاقة وتفوق يجعلها فوق مستوى البشر، يرفعها للسماء، حاولت جاهدا أن أعيد الشعور ليحول بين الشاب الصغير الذي انتفض داخلي فجأة مستجيبا لنداء الأنثى الذي تولدت عنه حنونة فجأة أيضا، ولكني كنت أحاول المستحيل، فكل قداسات الدنيا من المحال أن تباعد بين القوتين الأعظم للحياة إذا وجدتا، الرجل والمرأة؛ إذ ثالثهما هو القانون الشيطاني الذي لا يمكن عصيانه. وقبلتها أنا، مرتجفا، مضطربا مثلها، إنما قد استجمعت ما في من رجولة بكر، ولتكن حتى ما تكون، أرضية تكون أو سماوية، قديسة أو فتاة عادية، فأنا محبوب وأنا محب والبادي كانت هي، وعلي أنا أن أنعم مستحما عريان في ذلك البحر المفاجئ الغريب الذي تفتح لي فجأة من بين شفتيها. يا لقلبها يدق وقد رقدت على الكنبة وأذني فوق قلبها، دقا كونيا يكاد يزلزل الأرض والسماء فقد كان يزلزلني، يا لوجهها أجد فيه الأرض مرة وكل ما فيها من جمال، والسماء مرة وكل ما فيها من قداسة، علوية ترابية، تحمر وتصفر تكتئب وتكسوها ابتسامة العذراء، تموج كسطح البحر الرهيب الذي تفجر، دون أن تنطق، دون كلمة يتلوى جسدها ويتكلم، عذراء كانت وعذريا كنت، وكلانا لا يعرف، ويريد أن يعرف وهو يحاول أن يعرف، والغمامات التي كانت تحجب عيوننا عن أن ترى، وأن ترى أول ما ترى أنفسنا، تنزاح والحمى ليست حمى الغيبوبة ولكنها حمى التعرف المجنون والاستحواذ والمتعة والاكتشاف، حمى السر الكوني إذن، أخيرا انكشف، حماك وأنت واقف ترقب ليلة القدر إذا انفتح باب السماء أمامك حقا واكتشفت من خلاله سر السماء، أو إذا انشقت أمامك المرأة فجأة عن مكنونها الأعظم لك، ولك وحدك.
كلما تذكرت أني كنت لو حاولت تخيلها بنتا وأنثى أحس أني على وشك القيام بمعصية تزلزل الأرض والسماء كما لو كنت على وشك ارتكاب الإثم الأعظم، أعظم إثم يرتكبه بشر، كنت كلما تصورت هذا وأحسست بحرماني السابق يطغى أضمها وأعتصرها وألوكها، حية دافئة، أنثى، أمرغ نفسي فيها وفي حرماني منها وفي قداستها وفي الإثم الأعظم وبشريتها، والزمن الطويل الذي انقضى أعبدها، كنت أعبدها، وها أنا ذا أنا العابد أنالها وعلى نحو محال أن تتطرق إليه أشد الأحلام تخريفا وبعدا عن التصديق.
وماذا أقول؟ أأقول إن القداسة التي كانت تحيط بها وتصبغ صوتها وحتى إشارات يدها كانت إشعاعات الأنثى فيها، إشعاعات المرأة مقدسة ومشرقة، إشعاعات النوع والأنوثة كلها مركزة كضوء العدسة في حنونة، حنانها، مسيحيتها، جمالها، نظراتها، عبادتي لها، كلها أنوثة وأنثى، ولقد مرت سنين وسنين، وعرفت نساء ونساء، ولكني، لأنها كانت هي الأنثى في ذلك اليوم، لم أشعر منذ يومها أني الرجل، ذلك الرجل، إلى الآن.
अज्ञात पृष्ठ