فتبسم عبد الحميد قائلا: وضعته أنا «الفيلسوف المحطم» أليس هذا عنوانا يستحق النشر؟
وعلى فكرة، كان الأستاذ علي مختار صاحب بريد الأحرار من أقرب أصدقائي في الدراسة.
لا مؤاخذة إذا تركتك الآن يا أستاذ سيد؟ وسأحضر في المساء بعد إلقاء دروسي.
واستأذن منصرفا فضغطت على يده شاكرا، ولكن يدي كانت ضعيفة، فقلت له: أشكرك بكل قلبي.
ولم أحسب أن ذلك المرض يطول بي خمسة عشر يوما كاملة، ثم لا يفارقني إلا هزيلا ضعيفا، فوق ذلك السعال الشديد الذي استمر يضايقني مدة شهرين، ولكن الضعف والهزال والسعال لم تعكر على السعادة التي غمرتني عندما عرفت من عبد الحميد أن بريد الأحرار ستنشر قصتي، وبدأت أخرج إلى المدينة بعد شهر من بدء مرضي، وكانت حركة الانتخابات تجتاحها وتلهبها، كانت جموع المظاهرات تتدفق وتتصادم كل يوم، وكانت اللافتات معلقة في كل مكان، فوق الأعمدة وعلى جدران المنازل وعلى أبواب الدكاكين، وكانت الأبواق المكبرة للصوت تصيح في كل ركن، وذهبت عند أول خروجي إلى مطبعة العجمي لأعرف ماذا تم في جريدة السيد أحمد جلال، وكان العجمي زميلا قديما في المدرسة، فوجدت عنده جمعا كبيرا من الموظفين والتلاميذ ووكلاء المحامين ووزاني المحالج يستمعون إلى خطبة يلقيها «مهني أفندي» وكيل الأستاذ زكريا إبراهيم المحامي، وسمعته يتكلم عن ثورة الشباب على «عملاء الإنجليز».
ولما رآني العجمي رحب بي، وقدمني إلى الحاضرين على أني كاتب دمنهور العبقري، وأخذ يتحدث عن قصتي «الفيلسوف المحطم» التي نشرتها «بريد الأحرار» في ذلك الصباح بالذات، فاستقبلني الجمع بالتصفيق، وطلبوا أن يستمعوا إلى كلمة مني، فاضطررت أن أقف خطيبا لأول مرة في حياتي بعد أن فرغ الأستاذ مهني من خطابته، وكانت خطبتي تدور حول الشعب المحطم الذي ينتظر من يأخذ بيده، ولا يجد من القائمين على حكمه إلا الطغيان والأنانية والمبالغة في تحطيمه، وأحسست وأنا أخطب أن المعاني تتدفق على لساني وكنت أجد صدى حماستي في السامعين الذين قاطعوا كلمتي بالتصفيق العالي.
ولما سألت العجمي عن الجريدة بعد انصراف الجمع قال لي: لن نعمل لحساب أحد من هؤلاء يا أستاذ سيد، وقد عزمت على ترشيح نفسي.
فكان ذلك نبأ سعيدا عندي ووعدته بأن أجاهد معه بكل ما أستطيع، حتى تضرب دمنهور مثلا في انتخاب المخلصين وإن كانوا من صفوف الشعب.
ومنذ ذلك اليوم أقبلت على معركة الانتخاب فجعلتها معركتي، وبدأت من ذلك اليوم بوضع خطة مع «أنصار الشباب» لنكتسح المرشحين من «المنافقين».
وأخذنا نعد اللافتات وكتبنا عليها بخط أيدينا عبارات تسترعي الأنظار مثل: «الأعيان أعوان الطغيان» و«متى يسقط البرلمان حكومة؟» و«برلمان الأعيان بناء من القش» وأمثال هذه من عبارات الدعاية الشديدة.
अज्ञात पृष्ठ