210

وسكتت السيدة تنتظر جوابي، وكنت لا أعرف إلى تلك اللحظة ما السبب الذي حملني على الإسراع إلى دمنهور هكذا، وشعرت بأني في أحرج موقف وقفته في حياتي، وكدت أصيح قائلا للسيدة: «هل منى جارية؟ هل تريدين بيعها؟»

وقلت بعد صمت طويل: المسألة دقيقة يا سيدتي، وتحتاج إلى كل حكمتنا، وأول ما يهمنا هو منى نفسها.

فقالت: طبعا يا ابني، هذا ما أقوله لها، هي أول ما يهمنا طبعا، ولا نريد إلا أن نختار أحسن شيء لها.

فقلت في دفعة: هل تختارين لها محمود خلف؟

فقالت: جهل الشباب يمر يا ولدي.

فقلت: هناك شبان آخرون يا سيدتي، ويحسن أن نفرق بين تسوية المصالح وبين أمر الزواج.

فقالت في شيء من الغضب: أين هؤلاء الكثيرون يا سيد؟ أنرضى لها أحد هؤلاء الذين يتقدمون لها؟ صعاليك تعلموا وتوظفوا بعشرين جنيها، ويتجرءون على التقدم لها؟ ماذا تصنع بهم منى؟ أتختار أحدهم لتصرف عليه لتجعله إنسانا، ثم تقول للناس: «هذا رجلي؟»

فأطرقت صامتا وأظلمت الدنيا في عيني، وقمت قائلا: اسمحي لي الآن يا سيدتي، سأعود للحديث مرة أخرى.

وكنت أقول في نفسي: لن أدخل هذا البيت بعد هذا.

وقالت السيدة: أين ذهبت منى؟ هذا ما استفدناه من المدارس والكتب والعصر الحديث، يا حسرة علينا ما كنا نجرؤ على أن نقول كلمة.

अज्ञात पृष्ठ