161

وأشارت منيرة إلى الركن قائلة: تفضلوا.

لا مؤاخذة يا منى في استقبالك هنا، ولكنه أعظم كازينو في دمنهور، كازينو أبو طاقية من فضلك!

ونظرت منى إلى المقاعد وإلى قصاري الزهر ثم إلى الحقول الخضراء وقالت في ارتياح: هي الحقول التي كنت أعرفها وما أزال أذكر عندما كنا نخرج إليها في مثل هذه الساعة، كم سنة مضت من ذلك الوقت يا منيرة؟

فقالت منيرة ضاحكة: لا تكشفي عن أسرار سننا يا منى، قولي: منذ خمس سنوات.

فابتسمت منى قائلة: لم يحن بعد وقت إخفاء سننا، ربما أبدأ في ذلك بعد عام.

فقالت منيرة: يعني أنني على حق في البدء منذ الآن.

وضحكنا جميعا وجلست منى على مقعد وهي تقول: هل مضت كل هذه السنوات سريعا، ولم يتغير شيء سوى أنني كنت أرى الحارة أوسع مما هي الآن، كانت في نظري مثل عالم فسيح وكان الرصيف الذي أمام منزلنا كأنه ميدان.

وتذكرت تلك الأيام التي كانت فيها منى طفلة تركب فوق كتفي كلما رأتنى وتدلي ساقيها من أمام، فأجري بها كأني حصان وهي تهز رجليها وتضحك مكركرة وتأبى أن أقف.

السنوات تمر سريعة حقا وسوف تمر سريعة دائما، ومن يدري؟ هل نقف يوما بعد عدة سنوات إذا جمعتنا المصادفة مرة أخرى فتقول منى: إن السنين تمر سريعا؟ وهذه اللحظة التي نحن فيها ستكون هي الأخرى صورة تنظر إليها من بعيد لتقول: إننا اجتمعنا يوما هناك فوق السطح، وسأحدث نفسي قائلا: إنني وقفت أنظر إلى منى كما أنظر إلى روضة مزدهرة في فصل الربيع، وأحدث نفسي عنها بغير أن أقول لها كلمة، وسمعت منى تقول: كيف ترى دمنهور بعد عودتك إليها من القاهرة؟

فقلت كالحالم: أراها أعز البلاد وأجملها.

अज्ञात पृष्ठ