8
لم تكن نديرة تحب أن تبقى في بيت أمها؛ فقد كانت تشعر دائما أنها في غير مكانها، فإن إلهام بعد أن طلقت من زوجها أرادت أن تنتقم لهذه الفضيحة التي أطاحت بها وبزوجها، وأرادت أن تشعر أنها امرأة تستطيع أن تجد من يرغب فيها كما استطاع زوجها أن يجد من ترغب فيه. وزواج مثلها ليس عسيرا؛ فهي جميلة، وهي ثرية، وهي في ريعان الشباب، ولم تكن خيانة زوجها لها إلا لرغبة الخيانة في ذاتها؛ ففي كثير من الأحيان تصبح الخيانة الزوجية هدفا لا مبرر له، وقد كانت خيانة نامق من هذا النوع. وحين فكرت إلهام في شأن نديرة وماذا يمكن أن يصير إليه أمرها إذا هي تزوجت رجلا آخر، طمأنت نفسها أن نديرة طفلة ما تزال، وسوف تجد المشكلة فترة طويلة حتى تصبح مشكلة خليقة بالتفكير والبحث.
لم تمر شهور على فضيحة نامق حتى وجدت إلهام من يسألها رأيها في الزواج، وإلهام ذات ذكاء بارع تستطيع أن توافق فتصوغ الرفض كأنه موافقة. - ومن يرضى بزوجة مهجورة؟
وجملة كهذه من إلهام الثرية الجميلة، ابنة فهمي باشا محسن، تستطيع أن تدور بمحافل القاهرة جميعا في ساعة من سهرة، وقد استطاعت الجملة فعلا أن تصبح على الشفاه، واستطاعت أيضا أن تصطاد لها الخطاب من كل راغب في ثروة، أو راغب في شهرة، أو راغب في جاه، أو راغب في زواج، أو راغب في هذا جميعا. ولأمر غير مفهوم يجتذب الثراء الثراء وخاصة في الزواج. لعل العروس تحب أن تطمئن أن زوجها لن ينفق من مالها، أو لعل الزوج يحب أن يطمئن أنه سيجد في مال زوجته سندا إن نفدت ثروته، أو يجد في ثروته وثروتها جميعا وسيلة لمزيد من الثروة. على أية حال هي ظاهرة من الظواهر الكونية تحدث ولا تبرير لها ولا تحتاج إلى تبرير؛ كجاذبية الأرض أو كرويتها.
وهكذا تم زواج أحمد بك طلعت القاضي بالمحاكم المختلطة وابن طلعت باشا علي، من إلهام هانم فهمي ابنة فهمي باشا محسن وطليقة نامق بك إبراهيم أحد المستحقين في الوقف، ولم يكن إلى ذلك الحين مرشحا لنظارة الوقف ولا كان يخطر ببال أحد أنه سيكون مرشحا في يوم من الأيام.
وهكذا اطمأنت إلهام أنها استطاعت أن تحصل لنفسها على زوج خير من طليقها هذا العربيد الذي يخونها ولا يحسن حتى أن يخفي خيانته.
وأنجبت إلهام لزوجها الجديد خديجة، ولم تكن نديرة قد أكملت من عمرها السنوات الثلاث. ورغم أن أحمد كان يحاول دائما أن يكون رقيقا مع نديرة، إلا أن نديرة كانت دائما تحس أنها في غير مكانها. وكانت الأم تحس بذلك فكانت تحاول بفيض من العطف أن تمحو عن ابنتها هذا الشعور. ولكن العطف المسكوب في سعة يزيد نديرة شعورا أنها في غير مكانها. فهل مكاني بيت أبي؟ وماذا يستطيع أبي أن يهيئ لي وهو يعيش وحيدا مشغولا بفراغه؟ إن بيت أبي أيضا ليس مكاني، شعور شب معها تحس به وهي طفلة، ولم يباغتها التفكير فيه حين هيأ لها سنها أن تفكر.
وكان أحمد يحس من نديرة بهذا الشعور فلم يكن غريبا منه أن يحبذ زواجها من يسري، ولم يكن غريبا من الأم أن تقبل الزواج فالشاب مناسب من كافة الوجوه.
أما نديرة فقد أحست أنها تستطيع أخيرا أن تكون في مكانها الطبيعي.
وأراد نامق أن يظهر عطفه على ابنته فأصر أن يكون زواجها في قصره؛ فابنة ناظر الوقف يجب أن يكون زفافها في قصر ناظر الوقف.
अज्ञात पृष्ठ