والحقّ أن حديث أبي بكر عن الفخّ الذي نصب له حديث أقرب إلى الحكمة. فإنّه وضع بين حالتين لا تشرّفه أية منهما، الأولى أن يناظر البديع وأن يغلبه، ولكن أيّ فضل لأبي بكر في هذا والبديع شاب في أوّل الطريق؟ والثانية أن يغلبه البديع، ولكن أيّ حرج سيلحق به بعد هذا وهو إمام عصره علما وأدبا؟ إن مجرّد رضاه أن يجلس من البديع مجلس المناظر فيه غضّ من قيمته، واعتراف بمكانة البديع، ولكنّ الحبالة كانت قد أعدّت بإحكام.
وراح البديع يلحّ على أبي بكر، وأبوبكر يتحاماه حتى أذعن آخر الأمر، وما كان له إلّا أن يذعن وإلّا فسّر تحاميه بالعجز. ولا أريد أن أصدّق ما نقله البديع مما دار في هذا المجلس من أنه أشعر من أبي بكر، وأعلم باللغة منه وما إلى ذلك مما ساقه، ولكنني أريد أن أقول إنه كان قد أعدّ لنهاية المجلس أن يحكم «بعض القوم ... بغلبة البديع، وبعضهم يحكم بغلبة الخوارزمي» [١٠٨] .
ونهاية مثل هذه من شأنها أن ترغم صاحبنا على حضور مجلس مناظرة آخر أو يقرّ بالعجز، «وكان بعض الرؤساء مستوحشا من الخوارزميّ، وهيّأ مجمعا في دار الشيخ أبي القاسم الوزير، وحضر أبو الطيّب سهل الصّعلوكي والسيّد أبو الحسين العالم، فاستمال البديع قلب السيد أبي الحسين بقصيدة قالها في ... أهل البيت، ثم حضر
_________
[١٠٨] هذه رواية البيهقي في وشاح الدمية نقلها ياقوت في معجم الأدباء ١: ١٠٣.
على أن البيهقي- كما يبدو- اعتمد فيما اعتمد رواية البديع.
1 / 36