अमीरा धात हिम्मा
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
शैलियों
إلا أن أبا محمد البطال الذي اعتاد ممازحتها وهم في أشد المواقف خطرا، راح يضاحكها على طريقته دون حرج، ذاكرا بأن «عمر الشقي بقي»، ولا يزال أمامهم الكثير لتحقيقه على يديها وحدها دون غيرها من نساء العالمين.
واندفع يعيد عليها وهي غائبة في سباتها ما وقع له من مآزق وأخطار، سواء حين تخطى بها عتبات بوابات عاصمة الإفرنج أسيرة تحبو على أربع وهو يلهب ظهرها بسياطه، أو حين حط عليهما متسللا مطمورتهما - هي والأمير عبد الوهاب - بعد أن دفع بجميع حراس سجن أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى سابع درجات النوم والكوابيس.
وكانت ذات الهمة تستعذب قفشات البطال، فتضيء الابتسامات الوادعة صفاء وجهها المسجى البريء، دون أن تقوى على النطق والضحك.
وطاف بها الأمير البطال طويلا وهو يروي لها المآزق الضاحكة، بينما هي تضغط كف يده بيدها الواهنة ألما وتمزقا.
وبدا كما لو كان البطال يعيد إلى مخيلتها أمجادها السالفة، سواء وهي تقتحم المعارك على رأس جيش المسلمين كمثل نمر متوثب بالنصر، أو وهي تصل إلى غاياتها لتحقيق نصر العرب بالحيلة والمكيدة، أو وهي سجينة بمقر الخلافة، أو وهي ترفل في أصفاد الأعداء ومعسكراتهم، أو وهي تعتلي عرش أباطرة الأروام ، كل هذا أعاده البطال إلى مخيلتها التي أوهنتها الجراح، بينما قبضة الموت تدنو منها رويدا رويدا.
إلى أن وصل بها أبو محمد البطال إلى غايته؛ أي أن تغيب في النوم الطويل مخلفة ذكراها العطرة كأم للمجاهدين.
كان الأمير عبد الوهاب بعد مواراة ذات الهمة التراب لا يزال غارقا في أحزانه، حين عاد راجعا بأولاده إلى جبهة القتال، موقنا بأن في القتال واقتناص كل نصر تأكيدا لوصايا ذات الهمة، التي نقلها بكل الحرص إلى أولاده، وخاصة ابنه «سيف الموحدين»، الذي كان قد تسلم راياته ورايات جده الصحصاح وذات الهمة من أجل مواصلة الجهاد، وتأمين حماية المسلمين، وهي نفس الوصايا التي التزم بها ابنه الثاني الأمير ظالم، الذي أخذ مكان أبيه عبد الوهاب بعد أن تقدمت به السنون، وحطت عليه الجراح الغائرة التي لم يسلم منها ساعد من ساعديه الضاربين.
ذلك أن الأمير عبد الوهاب «الشيخ» استدعى ولده ظالما موصيا:
اعلم أنني أصبحت بعد وفاة جدتك ذات الهمة شيخا كبيرا، ولم يعد لي صبر على فراقك، ولا جلد على وداعك، فما قولك في المضي إلى أرض العراق لنجاهد معا هناك في حماية عاصمة خلافة المسلمين، وتكون أنت المقدم على بني كليب من بعدي، والمؤتمن على بقية إخوتك إبراهيم وضيغم وقشعم وسيف الموحدين، الذي هو ثمرة الفؤاد.
وعلى هذا النحو تصدر الأمير ظالم قيادة الأحداث المستجدة، بعد أن حطت الشيخوخة على الأمير عبد الوهاب ... وبعد أن أخذ مكان أبيه.
अज्ञात पृष्ठ