وأتم هذه المهام كلها بما لا مزيد عليه من السرعة، وعاد إلى المضرب الذي فيه الميت، وكانت أمه قد جلست إلى جانب الأميرة هند تشاركها في البكاء والنوح، ووقف خدم الأمير خارجا يبكونه ويندبونه، ولا سيما مربي أولاده، وكان رفيقا له في صباه وشبابه، وشهد معه المواقع التي حضرها، وقضى عمره عزبا منقطعا لخدمته وخدمة أولاده، فشعر الآن كأنه فقد ركنه الوحيد في الدنيا، وجلس عند باب الخيمة يبكي سيده، ويعدده ويلوم الموت لأنه لم يأخذه بدلا منه، وجلست أم يوسف إلى جانب الأميرة سلمى وهي تندب مرة وتنوح أخرى، وبات الجميع على هذه الصورة إلى أن ثقل سلطان الكرى على الأجفان، ولج الأمير عمر على الأميرة هند وأولادها لينهضوا ويناموا في مضاربهم، مؤكدا لهم أنه يتولى حراسة الميت بنفسه.
وقد يظن لأول وهلة أن مضارب البدو خالية من كل وسائل الراحة والرفاهة، ولكن ليس الأمر كذلك؛ لأن أمراءهم على ثروة واسعة، وهم يترددون على المدن القريبة منهم، ويقتبسون ما فيها من الكماليات، لا سيما وأنه يزورهم رجال الحكومة أحيانا، وينزل بعض السياح عليهم ضيوفا، فيضطرون إلى اقتناء الأمتعة الفاخرة مما يلزم لراحتهم، ولذلك تجد عندهم الفرش الوثيرة مهيأة للضيوف، ويقتنون الجواري المعتادات على خدمة أهل الرفاهة، فنامت الأميرة هند وابنتها في مضرب مبطن بالحرير على فرش وثيرة تغطيها دثر من الحرير والكتان، ونام ولداها في مضرب آخر متصل به، والمضربان إلى جانب مضرب أم الأمير.
وأصبح الصباح وسومت الانعام، واجتمع الخيامون فخاطوا مضربا كبيرا من مضارب كثيرة لفقوها معا وسمكوه على عمد عالية وشدوا أطنابه، فكان منه قبة واسعة كقبة نجران، ووضعوا الميت في نعش كبير مجلل بشالات الكشمير، ونصبوا له دكة في وسط القبة وسرجوا أربعة من الخيول المطهمة، ووقف السياس بها أمام المضرب.
ولم يمض ساعتان أو ثلاث من النهار حتى انتظم عقد النائحات حول النعش وهن مسدولات الشعور، وقص بعضهن شهورهن وطرحنها عليه إكراما للميت، وجعلت أم يوسف وامرأة من البدو تتباريان في إنشاد أبيات الندب والرثاء، والنادبات يرددن أقوالهما، والأميرة هند والأميرة سلمى لا تكفان عن البكاء حتى تقرحت آماقهما.
وأعدوا نعشا آخر يمثل نعش الميت، وجعلوا فيه حجارة كبيرة وجللوه بشيلان الكشمير، وجعلوا يحملونه ويرفعونه فوق رءوسهم ويطوفون به حول قبة المأتم، والجياد الأربعة ماشية أمامه، وعلى جانبي كل جواد رجلان معهما سيفان مسلولان فوق ظهر الجواد، ورجل ثالث يقوده، ووراء النعش شاعر يعدده وباقي الرجال يرددون ما يقول، ومن ذلك قولهم:
يا سيدي ويا سنجق
كل القول لك يلبق
لما شاعت أخبارك
الشركا لبست الازرق
وقولهم:
अज्ञात पृष्ठ