قالت ميمونة: «إن وزير السوء كتب في طلبي، وزعم أن أمير المؤمنين يحب أن يسألني عن بعض الشئون!»
فأطرقت عبادة وفكرت هنيهة وقالت: «قد علمت السبب في ذلك، إن الكتاب ليس من أمير المؤمنين وإنما كتبه الفضل لغرض في نفسه أنا أعلمه، وأظنكما تعلمانه أيضا. والأجدر أن نخرج من هذا القصر قبل أن يتفاقم الخطب ويحدث ما لا تحمد عقباه بسببنا.»
فصاحت دنانير: «إنكما في ضيافتنا ولا تخرجان مطلقا. أيجسر هذا الوغد على أضياف ولي العهد؟ كلا، لن تخرجا على هذه الصورة، ومتى جاء سلمان شاورناه في الأمر فإنه خبير. ونرى ما يكون.»
مجلس الفضل
كان سلمان قد رجع من قصر المأمون في ذلك الصباح إلى مخدعه فغير هندامه وتقمص شخصية الملفان سعدون، وسار حتى دخل مدينة المنصور وقصد إلى قصر باب الذهب يتوكأ على عكازه ويسرح لحيته وقد تأبط كتابه ومشى يلتمس المنزل الذي أعد له بأمر الأمين أثناء إقامته هناك. فدخل حجرته وأخذ يطالع في كتاب كأنه يكشف أمرا أهمه. وظل في ذلك إلى العصر وهو يتوقع أن يأتيه أحد في استفتاء أو استطلاع لعلمه أن الجواسيس والعيون مبثوثة بالأبواب ينقلون خبر القادمين والذاهبين إلى صاحب الشرطة.
وفيما هو في ذلك، سمع وقع حوافر جواد يقترب من حجرته، فأصاخ بأذنيه فسمع الراكب ينزل ويخطو نحو بابه مسرعا، فأدرك من رائحة الطيب التي فاحت أنه ابن الفضل، وعلم من سرعة خطوه أنه جاء متلهفا؛ فظل جالسا حتى قرع الباب فنهض وفتح له واستقبله بفتور واستخفاف على غير عادته؛ فتهيب ابن الفضل من رؤيته لما سبق إلى ذهنه من اقتداره على استطلاع الغيب، فحياه وهو يبتسم وقال: «كيف حال الملفان سعدون اليوم؟»
فأجابه بالإشارة أن يدخل ويجلس وظل ساكتا.
فابتدره ابن الفضل قائلا: «ما بالك يا ملفان؟ ما لي أراك غاضبا؟»
قال: «تفضل يا ابن الوزير واجلس. من أنا وما هو غضبي؟ ولكني رأيت أهل هذا الجيل لا يليق بهم غير الخداع والكذب.» قال ذلك وأشار إلى ابن الفضل أن يجلس.
فقال ابن الفضل: «لا حاجة بي إلى الجلوس. إني لم آتك لأمر يهمني وإنما لأدعوك إلى أبي.»
अज्ञात पृष्ठ