अमीन रिहानी: पश्चिमी देशों में पूर्वी दर्शन के प्रसारक
أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب
शैलियों
أقف بك، سيدتي، أمام هذه الكلية العظيمة، كلية لا شرقية هي ولا غربية، أقف بك أمام هذا المعهد القديم - وهو مهد العلوم الحديثة - الذي شيده الأمراء، وخلد ذكره المؤرخون والشعراء. ما أبهى هذه الرواقات وقد غصت بالطلبة من كل أجناس الناس والطبقات! وما أعظم هذه المكتبة وفيها ما يربو على الأربعمائة ألف مجلد! ولكنها - وا أسفاه - ستوزع على الحمامات بعد حين، ولا يعصى العلم على ابن العاص، ولا الأربعمائة ألف مجلد تقوى على كتاب واحد. إن لله في خلقه وفي كتبه شئونا.
نعم، سيدتي، نحن في سراديب التاريخ، فلا يهولنك ما وراءنا وما أمامنا من الظلمات، على أني أقف بك موقف النور لنذرف دمعة على العلم وعلى إحدى نسائه العاملات.
ليست المكتبة أعظم ما في المتحف، بل هناك دوائر أخرى سترينها: هذا المرصد الفلكي الذي يبعد الإنسان من الخرافات ويقربه من الله، وهذا المعمل الكيماوي حيث الملك نفسه كان يشتغل بضع ساعات في النهار باحثا عن إكسير الحياة، وهذه دار التشريح، ولا أظنك تحبين أن تدخليها، وقد تتعوذين إذا أخبرتك أن الأطباء فيها يشرحون الأحياء أيضا ممن حكم عليهم بالإعدام؛ ابتغاء التوصل إلى الحقائق الطبية الراهنة. لا تتكرهي سيدتي؛ فقتل المجرمين خير من قتل الأبرياء.
تعالي فأريك جنينة الحيوانات وبستان النباتات؛ حيث الطلبة يتعلمون من الأمثال الحية علمي النبات والحيوان، ولا تظني أن التعليم في هذا المعهد العظيم ينحصر في العلوم الطبيعية فقط، بل يتناول أيضا العلوم العقلية والروحية؛ فإن هذا المعهد - لكمثل معاهد العلم كلها - إنما هو مهد الحقائق والأضاليل معا. ورب حقيقة تشعل الأوهام نورها، ورب أوهام - كبعض الأطيار - تبيض بيوضها في عش الحقائق؛ فقد نبغ في هذا المعهد العلمي المتشرعون واللاهوتيون والأطباء والفلاسفة والعلماء.
لا، يا سيدتي، ليست كلية أكسفرد هذه ولا معهد الصربن، لسنا الآن في لندرا أو في باريس، إنما نحن في المدينة التي ولد فيها العلم الطبيعي واللاهوت المسيحي تحت سقف واحد، فتخاصما وتنازعا طويلا، وكان من شأنهما في قديم الزمان ما كان، إنما نحن في قاعدة البلاد المصرية، في باريس الزمان القديم، في الإسكندرية على عهد الرومان، والمتحف الذي وصفت فروعه العلمية هو الذي شيده بطليموس سوتر، وابنه فيلادلفس، وكان المليكان يدرسان ويعملان فيه كبقية الطلبة والعلماء.
المؤرخون متفقون في أن كلية الإسكندرية هذه كانت في زمانها أعظم معهد للعلم في العالم. كيف لا ومن مرصدها رصدت النجوم والكواكب التي استنار بها فيما بعد علماء أوروبا الفلكيون؟! كيف لا وفيها وضعت فلسفة أرسطاطليس الاستقرائية موضع العمل، وكان من ثمارها أن معهد بطليموس هذا أضحى مهد العلوم الحديثة؟! ومن من علماء اليوم ينكر فضل أرخيميدس في الرياضيات؟
ومن لا يذكر بطليموس وآبولونيوس وهباركوس في علم الفلك؟
ومن لا يعرف إقليدس ومبادئه في الهندسة التي يتعلمها الطلبة في المدارس حتى اليوم؟ وقد لا تعلمين سيدتي أن أراتوستينس - وهو من علماء هذا المعهد أيضا - قاس الأرض قبل علماء الخليفة المأمون، واكتشف شكلها الكروي قبل كبرنكوس وغاليلو، وأن هيرو اخترع آلة بخارية قبل جان وطس الإنكليزي، وأن تيزيبوس أول من اخترع ساعة مائية، وأن يوليوس القيصر بعث يطلب من هذا المعهد الإسكندري سوسيجينوس الفلكي ليصلح له الروزنامة الرومانية على الحساب الشمسي؛ فالمعهد الذي ينبغ فيه مثل هؤلاء العلماء العاملين - لا شك - عظيم، وأعظم منه من كانوا يلقون فيه الدروس العالية. (8-2) الفيلسوفة العذراء
ومن هؤلاء سيدتي: الفيلسوف ثيون الذي درس الرياضيات في القرن الرابع «ب.م»، وراقب كسوفا سنة 365، وألف في الفلك والطبعيات تآليف درست كلها، ولكن أعظم تآليف ثيون وأعماله: ابنته البارعة هباسيا.
ولدت هذه الفتاة في الإسكندرية، وقرأت العلوم على أبيها، وكان لها ميل خاص في الرياضيات والميكانيكيات، وقبل أن وقفت حياتها على العلم والتعليم سافرت إلى أثينا، وتلقت هناك الشريعة والفلسفة، ورافعت في المحاكم، ونشأت نشأة عجيبة دلت على مقدرة عقلية فيها تضاهي مقدرة أعظم الرجال. ولما توفي أبوها كانت قد تمكنت من العلوم، وبرهنت في مواقف عديدة على تضلعها ورسوخها في الرياضيات والفلسفة؛ فرقيت في العشرين من عمرها - وهي عذراء - إلى منصبه، وظلت تعلم في المتحف الإسكندري أربعين سنة، فهاج أخيرا عليها هائج الجهل والتعصب فقتلها شر قتلة، كما ستعلمين.
अज्ञात पृष्ठ