التأمين عقب الفاتحة في الصلاة
التأمين عقب الفاتحة في الصلاة
प्रकाशक
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
संस्करण संख्या
السنة السادسة والثلاثون
प्रकाशन वर्ष
العدد ١٢٥ - ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
शैलियों
المقدمة
الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لعبادته، وهدى من شاء للتمسك بسنة رسوله ﷺ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو برها والنجاة بها يوم الدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الصلاة شأنها عظيم، وأمرها خطير، فهي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وآكد شرائع الإسلام العملية، ولذا اختصها الله ﷾ بخصائص دون غيرها من الأركان والشعائر.
فكان الواجب العناية بأمرها، والاهتمام بشأنها، وتعظيم قدرها، والحرص على أدائها، كما كان رسول الله ﷺ يؤديها أمام أصحابه ﵃، وقد حضهم ﷺ على أن يترسموا هديه في أدائها، وأن يصلوها كما علمهم أداءها، حتى إنه ﷺ صلى مرة على المنبر: يقوم عليه، ويركع، ثم قال لهم: "إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" ١، وقد أمرنا بالاقتداء والتأسي به في صلاته، فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ٢، ومن أجل ذلك اهتم العلماء قديما وحديثا بالكتابة في جوانب متعددة من الصلاة، فمنهم من كتب في تعظيم قدرها وبيان أهميتها، ومنهم من كتب في الخشوع فيها، ومنهم من كتب في الأخطاء
_________
١ متفق عليه. جزء من حديث سهل بن سعد، أخرجه البخاري في الجمعة، باب الخطبة المنبر ١/٢٢٠، ومسلم في المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة ٥/٣٢.
٢ جزء من حديث مالك بن الحويرث، أخرجه البخاري في الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة ١/١٥٥.
1 / 163
التي يقع فيها بعض المصلين ...، فضلا عما جاء في بيان أحكامها وأفعالها في ثنايا تفسير الآيات وشروح الأحاديث، أو ما أورده الفقهاء في مصنفا تهم.
فرأيت أن أدلي بدولي في جانب من تلك الجوانب التي لم أر من أفرد الحديث عنها ١، مع أهميته واختلاف الناس فيه، بل اختلاف المذاهب الفقهية في ذلك، ألا وهو: التأمين عقب الفاتحة في الصلاة. وقد أشار في فهرس المغني٢، إلى مسائل التأمين، وأنها ثلاث: اثنتان منها في الصلاة، والثالثة خارجها. وهي:
١- التأمين عقب الفاتحة: للإمام، والمأموم، والمنفرد.
٢- تأمين المأموم في القنوت.
٣- التأمين عقب صلاة الاستسقاء، ويوم الجمعة والإمام يخطب، يدعو الإمام ويؤمّن الناس.
والتأمين شِعار الصلاة الجهرية، وإظهار لسنة المصطفى ﷺ قال ابن القيم: “التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة، واتباع للسنة، وتعظيم أمر الله” ٣.
وقد اعتنى علماء السنة وأئمة الحديث والأثر بمسألة التأمين عقب الفاتحة في الصلاة، فأفردوها بأبواب، وخصوها بتراجم، فمن ذلك صنيع البخاري في جامعه الصحيح، إذ عقد لها أربعة أبواب: ثلاثة منها في كتاب الأذان، وهي:
_________
١ من الرسائل والبحوث المتداولة، وقد ذكر صاحب كشف الظنون ١/٤٢٥ عنوانا في الموضوع، وهو: التعيين في التأمين. لمحمد بن أبي بكر ابن أحمد المستشري. إلا أني لم أقف عليه.
٢ ص ٥٨٢.
٣ الصلاة وحكم تاركها ص ٢٠٦.
1 / 164
١) باب جهر الإمام بالتأمين.
٢) باب فضل التأمين.
٣) باب جهر المأموم بالتأمين ١. والرابع في كتاب الدعوات، وهو:
٤) باب التأمين ٢.
وقريبا منه فعل النسائي، إذ ترجم لها بثلاث تراجم في كتاب الافتتاح. هي:
٥) جهر الإمام بآمين.
٦) باب الأمر بالتأمين خلف الإمام.
٧) فضل التأمين. وغيرهما من أصحاب كتب السنة ومصنفاتها.
وذكرها ابن القيم في الأمثلة التي تُرِك فيها المحكم للمتشابه. فقال: “ المثال السابع والخمسون: ترك السنة المحكمة الصحيحة في الجهر بآمين في الصلاة ... ”٣.
ولما كان التأمين شعار الصلاة، التي هي أهم شعائر المسلمين الظاهرة، فهم يؤدونها في المساجد خمس مرات في كل يوم وليلة، وينتقل صداها إلى آفاق بعيدة عبر مكبرات الصوت. ولا ريب أن كثيرا من علا مات الاستغراب، أو الإنكار أثارها تأمين المصلين خلف إمامهم، أو تركهم له. ففي بلدنا هذا - أدام الله حفظه، وظهور السنة فيه - كم تساءل أناس حين رأوا من بعض الوافدين وجوما وسكوتا بعد فراغ الإمام من قراءة الفاتحة، ويكون ذلك ظاهرًا إن كانوا
_________
١ صحيح البخاري (١١١- ١١٣) ١/١٨٩، ١٩٠.
٢ صحيح البخاري (٦٣) ٧/١٦٦.
٣ إعلام الموقعين ٢/٣٩٦.
1 / 165
هم سواد أهل المسجد. وفي المقابل كم يجد الذاهب إلى بعض البلاد الإسلامية من نظرات الاستغراب أو الإنكار إذا دخل مسجدا ليصلي مع جماعته فلم يؤمّن في المسجد أحد سواه.
وقد ازداد هذا الأمر أهمية في هذه الأزمنة، إذ أصبحت الصلاة تنقل عبر وسائل الإعلام من: تلفاز، وإذاعة، وقنوات فضائيات.. إلى أقصى الشرق والغرب، ويُشاهد ذلك ويلحظه غير المسلمين، فيرون هذا الاختلاف في صورة الصلاة الظاهرة، فهذا يؤمّن، وذاك لا يؤمّن، وهؤلاء يرتج المسجد بتأمينهم، وأولئك صامتون كأن على رؤوسهم الطير. فيكون هذا الاختلاف مثارَ استغراب أو استنكار. لماذا هذا التباين والتغاير في العبادة الواحدة بين المسلمين؟ وقد يقول قائلهم: لم يزل المسلمون في خلاف واختلاف فيما بينهم، حتى في أهم عبادتهم وهي الصلاة! !
فمن هنا رأيت أن هذه المسألة جديرة بالبحث والبيان، وأنه ينبغي تجليتها، وكشف النقاب عنها، ليعلم المسلم السنة الصحيحة في ذلك، فيكون الاقتداء برسول الله ﷺ، والاهتداء بسنته ﵊.
ولا ريب أن اتفاق المسلمين في شعائر صلاتهم، وصور عبادا تهم الظاهرة، له أثر في اتحاد قلوبهم، ووحدة كلمتهم، واجتماع شملهم، لأن لاتحاد الظاهر أثر كبير في اتحاد الباطن.
أسأل الله أن يجمع شمل المسلمين، ويوحد صفوفهم على كلمة الحق والهدى. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وقد سميته بـ: (التأمين عقب الفاتحة في الصلاة. حكمه، وصفته) .
خطة البحث:
قسمت البحث إلى: مقدمة، وسبعة مباحث، وخاتمة. وبعض المباحث
1 / 166
تضمنت مطالب، ومسائل.
أما المقدمة: فقد ضمنتها الافتتاحية، وأهمية الموضوع، وخطة البحث، ومنهجه.
وأما المباحث، فهي:
المبحث الأول: وجعلته في معنى التأمين.
المبحث الثاني: وجعلته في فضل التأمين.
المبحث الثالث: وجعلته في صيغة التأمين.
المبحث الرابع: وجعلته في حكم التأمين.
المبحث الخامس: وجعلته في صفة التأمين.
المبحث السادس: وجعلته في وقت التأمين.
المبحث السابع: وجعلته في تدارك التأمين، وتكراره.
وأما الخاتمة: فقد ضمّنتها خلاصة البحث، ونتائجه.
منهج البحث:
سلكت في كتابة هذا البحث، وجمع مادته العلمية المنهج التالي:
١) جمعت الأقوال العلمية من مصادرها الأصلية، ونسبتها إلى أصحابها.
٢) رقّمت الآيات القرآنية وعزوتها إلى سورها.
٣) خرجت الأحاديث النبوية من كُتُب السنة المعتدة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بتخريجه منهما، وإن كان في غيرهما اجتهدت في تخريجه من كتب السنة، مع بيان درجته صحة وضعفا مستعينا في ذلك بأقوال أهل الاختصاص قديما وحديثا.
٤) وثّقت أقوال المذاهب الفقهية بالرجوع إلى المصادر المعتمدة في كل مذهب.
1 / 167
١) شرحت الكلمات الغربية الواردة بالرجوع إلى المعاجم اللغوية وغريب الحديث.
٢) لم أترجم للأعلام الواردين في البحث، لعدم مناسبة ذلك في مثل هذه البحوث المختصرة.
٣) أرفقت في آخر البحث ثبتًا بالمصادر التي ورد ذكرها في ثنايا البحث.
٤) والله أسأل أن يجعل عملي خالصًا لوجه الكريم، وأن ينفعني به يوم الدين، وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 168
المبحث الأول: معنى التأمين
التأمين في اللغة ١: مصدر أمَّن بالتشديد يؤمّن، والمراد به قول: آمين. قال عبد البر: “التأمين. قول الرجل: آمين. عند فراغه من قراءة الفاتحة الكتاب، والدعاء “٢.
وقد ذكر العلماء لمعنى (آمين) أقوالا عدّة منها:
١) إن معناها: اللهم استجب. هذا هو المشهور، وعليه جمهور العلماء قال ابن عبد البر: “ومعنى آمين عند العلماء: اللهم استجب لنا دعاءنا. وهو خارج عن قول القارئ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ إلى قوله ﴿وَلا الضَّالِّينَ﴾ فهذا هو الدعاء الذي يقع عليه التأمين”٣.
٢) وهو قريب مما قبله، ومما بعده: إنها دعاء ٤.
٣) إنها بمعنى: كذلك يكون٥، أو ليكن كذلك.
_________
١ انظر لمعنى كلمة آمين: معجم مقاييس اللغة ١/١٢٥، الصحاح ٥/٢٠٧٢، القاموس المحيط ص ١٥١٨، لسان العرب ١٣/٢٦، ٢٧، النهاية ١/٧٢، تحرير ألفاظ التنبيه ص ٦٥، الاستذكار ٤/٢٥١، شرح السنة ٣/٦٣، الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٨، المغني ٢/١٦٣، المجموع ٣/٣٧٠، التبيان ص ٦٦، زاد المسير ١/١٧، تفسير ابن كثير ١/٣٢، فتح الباري ٢/٢٦٢، مغني المحتاج ١/١٦١، شرح الزرقاني ٢/٢٥٩، إعانة الطالبين ١/١٤٨، نيل الأوطار ٢/٢٤٥، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ١٧٥.
٢ الاستذكار ٤/٢٥١. وقال في التمهيد ٧/٩: (إن التأمين هو قول الإنسان: آمين عند دعائه، أو دعاء غيره إذا سمعه) .
٣ التمهيد ٧/٩.
٤ نسبه في مقدمة فتح الباري ص ٧٣. لعطاء.
٥ حكاه ابن الدفع عن ابن عباس، والحسن.
1 / 169
١) إنها بمعنى: افعل ١.
٢) إنها بمعنى: لا تخيّب رجاءنا.
٣) إنها بمعنى: أشهد لله.
٤) إنها بمعنى: لا يقدر على هذا غيرك.
٥) إنها بمعنى: اللهم آمنا بخير.
٦) إنها طابع الله على عباده يدفع به عنهم الآفات.
٧) إنها كنز من كنوز العرش لا يعلم تأويله إلا الله.
٨) إنها درجة في الجنة تجب لقائلها.
٩) إنها لمن استُجيب له كما استجيب للملائكة.
١٠) إنها اسم من أسماء الله تعالى عزوجل، وأنها بمنزلة: يا الله ٢.
قال ابن قتيبة: معناها، يا أمين، أجب دعاءنا. فسقطت (يا) كما سقطت في قوله: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ يوسف، تأويله: يا يوسف. ومن طوّل الألف، قال: (آمين) أدخل ألف النداء على ألف أمين. كما يقال: آزيد أقبل. ومعناه: يا زيد٣. وتُعُقِب: بأنه لا يصح عند أهل اللغة. إذ لو كان كما قيل، لرُفع، لأنه إذا أدخل (يا) على (آمين) كان منادى مفردًا، فحكم آخره الرفع،
_________
١ روي عن ابن عباس. قال: سألت رسول الله ﷺ عن معنى آمين. فقال: “ افعل “. انظر: تفسير الشوكاني فتح القدير ١/٢٦.
٢ روي عن أبي هريرة ﵁ بسند ضعيف. ورواه ابن عباس مرفوعًا. ولم يصح. وسيأتي تخريج بعض هذه الآثار في مبحث: (فضل التأمين) .
(تنبيه) قال في نيل الأوطار ٢/٢٤٥: “وقيل: إنه اسم الله. حكاه صاحب القاموس عن الواحدي”. وقد تبين مما سبق أنه محكي عن غير الواحدي. بل ممن سبقه.
٣ في حاشية الطحطاوي ص ١٧٥: “فحذف منه حرف النداء، وأقيم المد مقامه. فلذلك أنكر جماعة القصر فيه”.
1 / 170
فلما أجمعت العرب على فتح نونه دلّ على أنه غير منادى. وإنما فُتحت نون (آمين) لاجتماع الساكنين، ولم تُكسر، لثقل الكسرة بعد الياء ١.
قال ابن حجر: “معناه: الله استجب عند الجمهور. وقيل: غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى”٢. وقال القرطبي: “معنى آمين عند أكثر أهل العلم: اللهم استجب لنا. وُضِع موضع الدعاء. وقال قوم: هو اسم من أسماء الله..، وقيل: معنى آمين: وكذلك فليكن. قاله الجوهري. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: سألت رسول الله ﷺ: ما معنى، آمين؟ قال: “ربِّ افعل”. وقال مقاتل: هو قوة لدعاء، واستنزال للبركة. وقال الترمذي: معناه، لا تخيّب رجاءنا”٣.
وهي من أسماء الأفعال، موضوعة موضع اسم الاستجابة، مثل: (صه) موضوعة موضع سكوت. وحقها من الإعراب، الوقف، لأنها بمنزلة الأصوات. وهي مبنية على الفتح لاجتماع الساكنين. وإنما لم تكسر لثقل الحركة بعد الياء، كما فتحوا: أين، وكيف ٤.
وهي في الدعاء تُمد وتُقصر. المد على وزن (فاعيل) كياسين. والقصر على وزن (يمين) . ومن الممدود قول الشاعر:
ياربِّ لا تسلُبَنِّي حبَّها أبدًا ... ويرحم الله عبدًا قال آمينا
وقال آخر في المقصور:
تباعد مني فُطْحُلٌ، إذ دعوتُه ... أمين، فزاد الله ما بيننا بُعْدًا
أراد: زاد الله ما بيننا بُعدًا، آمين.
_________
١ قال النووي في التبيان ص ٦٦: “وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى. وأنكر المحققون والجماهير هذا”. وقال في المجموع ٣/٣٧٠: “وهذا ضعيف جدا”.
٢ فتح الباري ٢/٢٦٢.
٣ الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٨.
٤ انظر: التبيان ص٧٦، حاشية الطحطاوي ص ١٧٤.
1 / 171
المبحث الثاني: فضل التأمين
سبقت الإشارة إلى أن التأمين على الدعاء، دعاء أيضًا، وطلب من السامع أن يستجيب الله دعاء الداعي، ويُحقق ما جاء ذكره على لسانه. وبهذا يكون المؤمِّن شريكًا له فيما يستحقه من فضل الدعاء وأجره.
ولن يكون حديثنا في هذا المبحث عن فضل الدعاء، ومنزلته، وما جاء فيه من الترغيب، وأنواعه ...، فإن تلك أمور يطول ذكرها، ولها أبوابها، بل مصنفاتها الخاصة بها. وإنما سيقتصر حديثنا على ما جاء في فضل التأمين على الدعاء. فمن ذلك:
١) الأمر بالتأمين، وأنه سبب لمغفرة الذنوب، إذا وافق تأمين الملائكة ١.
_________
(فائدة) اختلف العلماء في المراد بالملائكة هنا: فقيل: جميع الملائكة. وقيل: الحفظة منهم. وقيل: الذين يتعاقبون منهم - على القول بأنهم غير الحفظة - وقيل: من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض، أو في السماء. واستظهره ابن حجر. واستدل له بما جاء في رواية الأعرج: “وقالت الملائكة في السماء آمين” وفي رواية: “فوافق ذلك قول أهل السماء”..، وبما رواه عبد الرزاق عن عكرمة قال: “صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض، آمين في السماء، غُفر للعبد” - قال - ومثله لا يُقال بالرأي، فالمصير إليه أولى. وخصه ابن عبد البر بالملائكة الذين في السماء. فقال: والظاهر في هذا الحديث: أن الملائكة المؤمّنين على دعاء القارئ، ملائكة السماء.
واختلفوا في المراد بتأمين الملائكة: فقيل: المراد به: استغفارهم للمؤمنين. قاله ابن حجر. وقيل: المراد به، قولهم: آمين. وظاهر الحديث يؤيده. والله أعلم.
انظر: الاستذكار ٤/٢٥٥، ٢٥٦، فتح الباري ٢/٢٦٥، مغني المحتاج ١/١٦١، إعانة الطالبين ١/١٤٨، نيل الأوطار ٢/٢٤٥.
1 / 172
فعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: “إذا قال الإمام: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فقولوا: آمين. فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه” ١.
وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: “إذا أمَّن الإمام، فأمِّنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه” قال ابن شهاب: وكان رسول الله ﷺ يقول: آمين ٢. قال القرطبي: “قال علماؤنا - رحمة الله عليهم ـ: فترتبت المغفرة للذنب على مقدمات أربع تضمنها هذا الحديث: الأولى، تأمين الإمام. الثانية، تأمين مَن خلفه. الثالثة، تأمين الملائكة. الرابعة، موافقة التأمين”٣.
وعنه ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: “إذا قال أحدكم: آمين. وقالت الملائكة في السماء آمين. فوافَقَتْ إحداهما الأخرى، غُفِر له ما
_________
١ متفق عليه. أخرجه البخاري في الأذان، باب جهر المأموم بالتأمين، من حديث أبي صالح (١١٣) ١/١٩٠. ومع فتح الباري ٢/٢٦٦ (٧٨٢) وفي بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين (٧) مع الفتح ٦/٣١٢ (٣٢٢٨) وليس فيه موضع الشاهد. وكذا مسلم في الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين ٤/١٢٨. وليس فيه موضع الشاهد. وأخرج نحوه ٤/١٢٩ من طريق أبي سُهيل عن أبيه بلفظ: “إذا قال القارئ: ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فقال من خلفه: آمين. فوافق قوله قول أهل السماء، غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
٢ متفق عليه. أخرجه البخاري في الأذان، باب جهر الإمام بالتأمين (١١١) ١/١٩٠، ومع الفتح٢/٢٦٢ (٧٨٠)، وفي الدعوات، باب التأمين (٦٣) ٧/١٦٧، ومع الفتح١١/٢٠٠ (٦٤٠٢) بنحوه. بلفظ: “إذا أمّن القارئ، فأمّنوا. فإن الملائكة تؤمّن..” ومسلم في الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين ٤/١٢٨.
٣ الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٧. وانظر: أحكام القرآن ١/٦.
1 / 173
تقدَّم من ذنبه١“ ٢.
وعنه ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: “إذا قال الإمام: ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فقال: آمين. فوافق آمين أهل الأرض، آمين أهل السماء، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه. ومثل من يقول: آمين، كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه. فقال: لِمَ لَمْ يخرج سهمي؟ فقيل: إنك لم تقل: آمين” ٣.
وقال نافع: كان ابن عمر ﵁ لا يدعه، ويحضهم. وسمعت منه في ذلك خيرًا ٤.
١) الأمر بالتأمين، وأنه سبب لإجابة الدعاء.
فعن أبي موسى الأشعري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: “إذا صليتم، فأقيموا
_________
(تنبيه) قال ابن حجر في التلخيص الحبير ١/٢٣٩: (تنبيه: ذكر الغزالي في الوسيط، وفي الوجيز زيادة “ما تقدّم من ذنبه وما تأخر “. قال ابن الصلاح: وهي زيادة ليست بصحيحة. وليس كما قال، كما بينته في طرق الأحاديث الواردة في ذلك) .
٢ متفق عليه. أخرجه البخاري في الأذان، باب فضل التأمين (١١٢) ١/١٩٠، ومع الفتح ٢/٢٦٦ (٧٨١)، ومسلم في الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين ٤/١٢٩.
٣ أخرجه أبو يعلى ١١/٢٩٦ (٦٤١١)، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب ١/١٩٥ (٧٣٦)، وابن كثير في تفسيره ١/٣٣، عن ابن مردويه، والطيالسي ص ٣٣٦ (٢٥٧٧) بنحوه مختصرًا. ليس فيه “ ومثل من لا يقول..”.
٤ أخرجه البخاري في الأذان، باب جهر الإمام بالتأمين (١١١) ١/١٨٩، تعليقًا مجزومًا به إلى نافع. قال ابن حجر في فتح الباري ٢/٢٦٣: (وصله عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا نافع: “ أن ابن عمر ﵁ كان إذا ختم أم القرآن. قال: آمين. لا يدع أن يؤمّن إذا ختمها، ويحضهم على قولها “) . وقال ابن حجر في مناسبة أثر ابن عمر: (مناسبة أثر ابن عمر من جهة أنه كان يؤمن إذا ختم الفاتحة، وذلك أعم من أن يكون إمامًا، أو مأمومًا) .
1 / 174
صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبّر، فكبروا، وإذا قال: ﴿غير الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فقولوا: آمين، يُجبكم الله..” الحديث١.
وعن حبيب بن سلمة الفهري ﵁ وكان مجاب الدعوة - قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: “لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم، ويؤمّن البعض، إلا أجابهم الله " ٢.
١) التأمين على الدعاء كالطابع على الصحيفة.
فعن أبي مصبح المقرائي قال: كنا نجلس إلى أبي زهير النميري ﵁ وكان من الصحابة، فيحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء، قال: اختمه بآمين. فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة. قال أبو زهير: أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله ﷺ ذات ليلة، فأتينا على رجل قد ألحّ في المسألة، فوقف النبي ﷺ يستمع منه، فقال: النبي ﷺ: “أوجَبَ، إن خَتَم”. فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: “بآمين. فإنه إن ختم بآمين، فقد أوجب”. فانصرف الرجل الذي سأل النبي ﷺ فأتى الرجل، فقال: اختم بآمين، وأبشر “ ٣.
٢) التأمين على الدعاء خاتم ربّ العالمين.
فعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: “ آمين، خاتم رب العالمين “ ٤.
_________
١ أخرجه مسلم في الصلاة، باب التشهد الصلاة ٤/١١٩.
٢ أخرجه الحاكم في المستدرك ٣/٣٤٧. وسكت عنه. وفي سنده ابن لهيعة، عبد الله بن عقبة، قال عنه ابن حجر في التقريب ص ٥٣٨: صدوق، خلط بعد احتراق كتبه. وأورده المنذري في الترغيب والترهيب ١/١٩٦ (٧٤٠) . ولم يورده الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
٣ أخرجه أبو داود في الصلاة، باب التأمين وراء الإمام ١/٢٤٧ (٩٣٨) . وسكت عنه.
٤ أخرجه ابن عدي في الكامل ٦/٢٤٣٢ من طريق مؤمل بن عبد الرحمن عن أبي أمية بن يعلى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به. وقال: لا يرويه عن أبي أمية بن يعلى، وإن كان ضعيفًا، غير مؤمل. وقال ابن حجر في التهذيب ١٠/٣٨٢: ضعّفه وليّنه أبو حاتم. وعزاه ابن كثير في تفسيره ١/٣٢ لابن مردويه. وأورده ابن الأثير في النهاية ١/٧٢، وابن منظور في اللسان ١٣/ ٢٧، وأشار إليه القرطبي في تفسيره ١/١٢٨، والبغوي في شرح السنة ٣/٦٣.
1 / 175
قيل معناه: أنه طابع الله على عباده، لأنه يدفع به عنهم الآفات والبلايا. فكان كخاتم الكتاب، الذي يصونه ويمنع من فساده، وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به، ووقوفه على ما فيه ١.
١) التأمين على الدعاء سبب لنيل درجةٍ في الجنة.
روي ذلك عن أبي هريرة ﵁ ٢. قيل معناه: أنها كلمة يكتسب بها قائلها درجة في الجنة٣.
٢) تحسدنا اليهود على قول: آمين.
فعن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال: “ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتم على السلام، والتأمين” ٤.
_________
١ انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٨، شرح السنة ٣/٦٣، النهاية ١/٧٢.
٢ انظر: لسان العرب ١٣/٢٧. وأورده ابن الأثير ولم ينسبه ١/٧٢.
٣ انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٨، لسان العرب ١٣/٢٧، النهاية ١/٧٢.
٤ أخرجه ابن ماجه في الصلاة، باب الجهر بآمين ١/٢٧٨ (٨٥٦) . قال في الزوائد: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات، احتج مسلم بجميع رواته. وابن خزيمة ٣/٣٧ (١٥٨٥)، والبيهقي ٢/٥٦. ورمز له السيوطي بالتحسين. وتعقبه المناوي في فيض القدير ٥/٤٤٠ فقال: وهو تقصير، بل هو صحيح. فقد صححه جمع منهم مغلطاي في شرح ابن ماجه. فقال: إسناده صحيح عل رسم مسلم. ولما عزاه ابن حجر إلى الأدب المفرد، قال: ابن خزيمة صححه وأقرّه. فعلم أنه صحيح من طريقه. وقال المنذري في الترغيب والترهيب ١/١٩٤: رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في صحيحه، وأحمد في المسند. وأورده الألباني في صحيح الترغيب (٥١٥) ورمز له بالصحة.
1 / 176
وعنها أن رسول الله ﷺ قال: “.. إنهم - أي: اليهود - لا يحسدوننا على شيء كما يحسدون على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها وضلّوا عنها. وعلى القِبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها. وعلى قولنا خلف الإمام: آمين “ ١.
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: “ إن اليهود قوم حسد، حسدوكم على ثلاثة: إفشاء السلام، وإقامة الصف، وآمين “ ٢.
وعن ابن عباس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: “ ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على آمين. فأكثروا من قول آمين “ ٣. قال القرطبي: “قال علماؤنا - رحمة الله عليهم - إنما حسدنا أهل الكتاب، لأن أوّلها، حمد لله وثناء عليه، ثم خضوع له واستكانة، ثم دعاء لنا بالهداية إلى الصراط المستقيم، ثم الدعاء عليهم، مع قولنا: آمين “٤.
١) كلمة (آمين) لم تكن لأحد قبلنا، إلا لموسى وهارون ﵉.
فعن أنس ﵁ قال: كنا عند النبي ﷺ جلوسًا فقال: “ إن الله قد أعطاني خصالًا ثلاثة: أعطاني صلاة في الصفوف، وأعطاني التحية إنها لتحية أهل الجنة، وأعطاني التأمين، ولم يعطه أحدًا من النبيين قبلي، إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون، يدعو موسى، ويؤمّن هارون “ ٥.
_________
١ أخرجه أحمد ٦/١٣٤، ١٣٥. وأصل الحديث في الصحيحين، إلا موضع الشاهد منه. أخرجه البخاري في الجهاد، باب ٦/١٠٦ (٢٩٣٥)، ومسلم في السلام، وفي البر والصلة.
٢ أخرجه ابن عدي في الكامل ٣/٢٥٠، وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله.
٣ أخرجه ابن ماجه ١/٢٧٩ (٨٥٧) .قال في الزوائد: إسناده ضعيف، لاتفاقهم على ضعف طلحة بن عمرو. ونقل المناوي في فيض القدير ٥/٤٤١: عن مغلطاي تضعيفه، وقول العراقي في أماليه: ضعيف جدًا.. وانظر: تفسير ابن كثير ١/٣٢، نيل الأوطار ٢/٢٤٤.
٤ الجامع لأحكام القرآن ١/١٣١.
٥ أخرجه ابن خزيمة ٣/٣٩ (١٥٨٦) . من رواية زربي مولى آل المهلب، وتردد في ثبوته. وأورده المنذري في الترغيب والترهيب ١/١٩٤.
1 / 177
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ “ إن الله أعطى أمتي ثلاثًا لم تُعط أحدًا قبلهم: السلام، وهو تحية أهل الجنة. وصفوف الملائكة. وآمين. إلا ما كان من موسى وهارون “ ١. قال القرطبي: “معناه: أن موسى دعا على فرعون، وأمّن هارون. فقال الله تبارك اسمه عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ ولم يذكر مقالة هارون. وقال موسى: ربنا. فكان من هارون، التأمين. فسمّاه داعيًا في تنزيله، إذ صيّر ذلك منه دعوة. وقد قيل: إن آمين خاص لهذه الأمة ٢.ـ وقد استدل على ذلك بحديثي عائشة، وابن عباس المتقدمين”٣.
١) استغفار الملائكة لمن قال: (آمين) بعد قراءة الفاتحة.
فعن أنس ﵁: قال: قال رسول الله ﷺ: “ من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم قال: آمين. لم يبق ملك في السماء مقرب إلا استغفر له “ ٤.
_________
١ أخرجه الحارث في مسنده ١/٢٨٥ (١٧٢) . وقال ابن حجر في فتح الباري ٢/٢٦٤: رواه ابن مردويه، ولم يصح. وأورد ابن كثير في تفسيره ١/٣٢ نحو ذلك من حديث أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: “ أعطيت آمين في الصلاة، وعند الدعاء، لم يعطه أحد قبلي، إلا أن يكون موسى. كان موسى يدعو، وهارون يؤمّن. فاختموا الدعاء بآمين، فإن الله يستجيبه لكم “.
٢ ممن ذهب إلى ذلك ابن العربي. فقال في أحكام القرآن ١/٧: (هذه الكلمة لم تكن لمن قبلنا. وخصنا الله سبحانه بها..) .
٣ الجامع لأحكام القرآن ١/١٣٠. وانظر: الجامع لأحكام القرآن ٨/٣٧٥، تفسير الطبري ١١/١٦١.
٤ انظر: فتح القدير للشوكاني ١/٢٦. وعزاه للديلمي.
1 / 178
١) يخلق الله من كل حرف من حروف (آمين) ملكًا يدعو لمن قال: آمين.
قال وهب بن منَبِّه: آمين أربعة أحرف، يخلق الله من كل حرف ملكًا يقول: اللهم اغفر لكل من قال: آمين ١.
٢) قيل: إن (آمين) اسم من أسماء الله. ولم يصح.
فعن أبي هريرة، وهلال بن يِساف، ومجاهد، وجعفر الصادق، والليث. قالوا: آمين اسم من أسماء الله عزوجل ٢. وروي عن ابن عباس ﵁ مرفوعًا، ولا يصح. قاله أبو بكر ابن العربي المالكي ٣.
٣) الحرص على إدراكها مع الرسول ﷺ.
فعن بلال ﵁ أنه قال: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين ٤.
_________
١ انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٧.
٢ أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٢/٩٩ (٢٦٥١) . وإسناده ضعيف. فيه بشر بن رافع. قال عنه ابن حجر في التقريب ص ١٦٩: (فقيه، ضعيف الحديث) . وانظر: فتح الباري ٢/٢٦٢. وقول هلال أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٢/٩٩ (٢٦٥٠)، وابن أبي شيبة ٢/١٨٨ (٧٩٧١، ٧٩٧٢)، وقول جابر أخرجه ابن أبي شيبة ٢/١٨٨ (٧٩٧٤) . وقول حكيم بن جبير أخرجه ابن أبي شيبة ٢/١٨٨ (٧٩٧٣) . وانظر: فتح القدير للشوكاني ١/٢٦.
٣ أحكام القرآن ١/٦. وانظر: الجامع لأحكام القرآن ١/١٢٨، تفسير ابن كثير ١/٣٢. وقال النووي في التبيان ص٦٦: “وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى. وأنكر المحققون، والجماهير هذا”.
٤ أخرجه أحمد ٦/١٢، ١٥، وأبو داود في الصلاة، باب التأمين وراء الإمام ١/٢٤٦ (٩٣٧) وابن خزيمة ١/٢٨٧ (٥٧٣)، والحاكم ١/٢١٩، وقال: هذا حديث صحيح عل شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وعبد الرزاق ٢/ ٩٦ (٣٦٣٦)، وابن أبي شيبة ٢/١٨٧ (٧٩٥٧)، وابن حزم في المحلى ٣/٢٦٣، والبيهقي ٢/٥٦. وإسناده صحيح. قاله الأرنؤوط في جامع الأصول ٥/٣٣١. وقال ابن حجر في فتح الباري ٢/٢٦٣: (رجاله ثقات. لكن قيل: إن أبا عثمان لم يلق بلالًا. وقد روي عنه بلفظ: “ إن بلال قال..”. وهو ظاهر الإرسال. ورجحه الدارقطني وغيره على الموصول) . وتعقبه أحمد شاكر في تعليقه على المحلى، فقال: (هذا تعليل غير صحيح. فإن إسحاق بن راهويه إمام حافظ. وقد رواه موصولًا عن أبي عثمان عن بلال. وأبو عثمان قديم جدًا أدرك الجاهلية، وأسلم على عهد رسول الله ﷺ ولم يُعرف بالتدليس) .
1 / 179
المبحث الثالث: صيغة التأمين
تقدّم أن المراد بالتأمين في اللغة، قول: (آمين)، وللتأمين ألفاظ وصيغ أخرى. منها ١:
١- أمين. بقصر الألف، وتخيف الميم. على وزن: يمين ٢.
٢- آمين. بمدّ الألف، وتخيف الميم. على وزن: ياسين، وعاصين. وهو أشهرها ٣.
٣- آمين. بمد الألف، وتخيف الميم، مع الإمالة ٤.
_________
١ ستأتي الإشارة إلى صيغ أخرى في معرض بيان ما يجوز من صيغ التأمين.
٢ حكاها ثعلب وآخرون. وأنكرها جماعة على ثعلب. وقالوا: المعروف المد. وإنما جاءت مقصورة في ضرورة الشعر. قال النووي: (وهذا جواب فاسد، لأن الشعر الذي جاء فيها فاسد من ضرورية القصر. انظر: المجموع ١/٣٧٠.
٣ ذهب ابن العربي إلى أن القصر هو الأشهر، وعليه الأكثر. فقال في أحكام القرآن ١/٦: (والقصر، أفصح، وأخصر. وعليها من الخلق الأكثر) . وفي المصباح المنير ١/٢٤: (أمين بالقصر، لغة أهل الحجاز، وبالمد لغة بني عامر. والمد إشباع، بدليل أنه لا يوجد في العربية كلمة على وزن فاعيل) . وفي نيل الأوطار ٢/٢٤٥: (آمين. هو بالمد والتخفيف في جميع الروايات، وعن جميع القراء) .
٤ حُكي ذلك عن حمزة والكسائي. وفي الإمالة لغات أخرى شاذة: القصر، حكاه ثعلب. وأنشد له شاهدًا. وأنكره ابن درستويه، وطعن في الشاهد، بأنه من ضرورة الشعر. ولذا قال ابن عابدين في حاشيته ١/٤٩٢: (قوله: وإمالة. أي: في المد، لعدم تأتيها في القصر.. وحقيقة الإمالة: أن ينحى بالفتحة نحو الكسر، فتميل الألف إن كان بعدها ألف نحو الياء) .
1 / 180
١- آمِّين. بالمد مع التشديد. من أمَّ الشيء. إذا قصده. لكن أكثر أهل اللغة لم يذكروا ذلك. بل قال ثعلب، والجوهري وغيرهما: تشديد الميم، خطأ. قال الفيومي: “الموجود في مشاهير الأصول المعتمدة: أن التشديد خطأ. وقال بعض أهل العلم: التشديد لغة. وهو وهَمٌ قديم. وذلك أن العباس، أحمد بن يحي قال: وآمين، مثال عاصين، لغة. فتوهم أن المراد صيغة الجمع، لأنه قابله بالجمع. وهو مردود بقول ابن جني وغيره: أن المراد موازنة اللفظ، لا غير. قال ابن جني: وليس المراد حقيقة الجمع. ويؤيده قول صاحب التمثيل في الفصيح: والتشديد خطأ. ثم المعنى غير مستقيم على التشديد، لأن التقدير: ولا الضالين، قاصدين إليك. وهذا لا يرتبط بما قبله” ١.
٢- أمِّين. بالقصر، مع التشديد. وأكثر أهل اللغة على أن ذلك خطأ.
قال النووي: “في آمين لغات. قال العلماء: أفصحها، آمين، بالمد، وتخفيف الميم. والثانية، بالقصر. وهاتان مشهورتان. وثالثة، آمن، بالإمالة مع المد، حكاها الواحدي عن حمزة، والكسائي. والرابعة، بتشديد الميم مع المد، حكاها عن الحسن، والحسين بن الفضيل. قال: ويحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق. قال معناه: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصدًا. هذا كلام الواحدي. وهذه الرابعة غريبة جدًا، فقد عدّها أكثر أهل اللغة من لحن العوام. وقال جماعة من أصحابنا من قالها في الصلاة، بطلت صلاته”٢.
_________
١ المصباح المنبر ١/٢٥.
٢ التبيان ص ٦٧.
1 / 181
وقد اختلفت المذاهب الفقهية فيما يجوز من صيغ التأمين، وما لا يجوز منها.
وفيما يلي بيانٌ لأقوال المذاهب الفقهية، ثم أتبعها بخلاصة تلك الأقوال، وبيان مواضع الاتفاق، والاختلاف. فأقول مستعينًا بالله:
* مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن هناك ألفاظًا يحصل بها سنة التأمين، وألفاظًا أخرى يحصل بها التأمين، دون سنته، وألفاظًا أخرى تفسد بها الصلاة. وقد لخصها الحصكفي بقوله: “وأمّن. بمدّ، وقصر، وإمالة. ولا تفسد بمد مع تشديد، أو حذف ياء، بل بقصر مع أحدهما، أو بمد معهما. ثم قال: وهذا مما تفردت بتحريره”١. وبيان ذلك، فيما يلي:
أولًا: ما تحصل به سنة التأمين. وهي ثلاثة صيغ:
١- آمين. بالمد، والتخفيف.
٢- أمين. بالقصر، والتخفيف.
٣- آمين. بالمد، والتخفيف، مع الإمالة.
ثانيًا: ما يحصل به التأمين، دون سنته. وهما صيغتان:
١- آمِّين. بالمد، مع التشديد، بلا حذف.
قال ابن عابدين: “فلا يفسد. على المفتى به عندنا٢، لأنه لغة فيها. حكاها الواحدي، ولأنه موجود في القرآن، لأنه له وجهًا، كما قال الحلواني: إن معناه، ندعوك قاصدين إجابتك. لأن معنى آمّين: قاصدين. وأنكر جماعة من مشايخنا كونها لغة، وحكم بفساد الصلاة “٣.
_________
١ الدر المختار ١/٤٩٢.
(فائدة) قال ابن عابدين في حاشيته١/٤٩٠: (لفظة الفتوى، آكد وأبلغ من لفظة المختار) .
٣ حاشية ابن عابدين ١/٤٩٢. وقال المرغيناني في الهداية ١/٤٩: (والتشديد خطأ فاحش) . قال ابن الهمام في شرحه ١/٢٩٦: (في التجنيس: تفسد به، لأنه ليس بشيء. وقيل: عندهما لا تفسد، وعليه الفتوى) .
1 / 182