आशा और यूटोपिया एर्नेस्ट ब्लोच के दर्शन में
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
शैलियों
وكما كان أدورنو يناشد تلاميذه الاحتفاظ بالقدرة على التساؤل والاندهاش، فإن بلوخ لم يتخل عن إيمانه بقدرة الفيلسوف على الاندهاش الإيجابي «إن الاندهاش الإيجابي الأصيل لا يتولد عنه السؤال القديم: لم كان وجود على الإطلاق ولم يكن بالأولى عدم؟ بل ينشأ عنه هذا السؤال الذي تحدق عيناه - كعيني الفتاة التي صورها «دورر» في لوحته المعروفة «الكآبة» - في أفق «الكل» الغائب: لم كان وجود كالعدم؟ ومتى يكتمل ويخرج من حالة عجزه ونقصه وافتقاره إلى الكل اليوتوبي؟»
65
ومثل هذا التساؤل الشاب الذي يؤدي إلى إجابات جديدة شيء لا يقدر عليه الفلاسفة التقليديون أو الحرفيون؛ لأن شباب الفلسفة ضد كل ما هو جامد ومتحجر سواء في الفكر أو في المجتمع، وضد ما يسمى بالحس السليم أو الفهم المشترك. لذلك لم يخضع أدورنو وبلوخ للغة الشائعة في المجتمع لأنها لا تلائم أفق تفكيرهما ولا مصطلح تعبيرهما. كانت هذه اللغة السائدة سواء في المجتمع أو عند الفلاسفة التقليدين لغة بالية وعاجزة عن طرح أسئلة جديدة ولم تتسع لأسئلتهما، ولذلك كانت إجابتهما مثل إجابات هيجل في عصره؛ غريبة على معاصريهما. ولعل هذه اللغة الجديدة التي صيغت فيها الأسئلة الجديدة أن تكون أهم ما جذب إليهما الشباب الثائر في الجامعات الأوروبية عام 1968م بحيث كان شعار هؤلاء الشباب الذي كتب على الجدران في باريس من وحي فلسفاتهما، وهذا الشعار هو «كونوا واقعيين وافعلوا المستحيل.»
66 (4) مؤثرات دينية
كانت المؤثرات الدينية والصوفية هي أحد المصادر الهامة التي زادت أفكار بلوخ غنى وثراء، والواقع أنه يصعب تحديد أسماء المفكرين الدينيين الذين قد يكون لهم تأثير مباشر عليه، وإذا كان تفكيره الديني يقترب من أنثروبولوجيا الدين عند فويرباخ، إلا أنه - أي بلوخ - يتجاوز هذه الحدود ويتمثل كل التراث الديني والصوفي وبخاصة التراث اليهودي-المسيحي، وقد تمثل تأثير هذا التراث الديني في إحدى الأفكار الهامة التي تشكل فلسفة بلوخ وهي «فكرة الخلاص» التي جعلت فلسفته تحلق في أفق النهاية المفتوحة بأسلوب صوفي غامض، صحيح أن التفكير «الأخروي» أو التفكير في النجاة أو الخلاص الذي سيتحقق آخر «الزمان» في مملكة السعادة والخير - التي ستنتهي معها كل الشرور وتمتلئ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا - قد وجد على الدوام في كل العصور والأديان والحضارات. ولكن بلوخ جمع كل الشواهد التاريخية والحضارية الممكنة على هذا التفكير مع ما يتصل بها من تصورات للخلاص والمجتمع اليوتوبي الأمثل، وهي التصورات الحالمة التي تفنن الخيال البشري في رسمها ليملأ ثغرات الواقع المعيش ويعوضه عن فقره ونقصه. ثم تعلم ماركس كيف يشد هذه التصورات من فضاء الأوهام الغيبية والمثالية، الذي كانت ترفرف فيه، إلى أرض الواقع الصلب والممارسة العملية والثورية، بحيث لا يعود الواقع أو المجتمع الذي تختفي منه اللاإنسانية مجرد حدث ينتظر أن يتم في آخر الزمان ونهاية التاريخ، بل يصبح محور التاريخ نفسه ومحركه الحقيقي في مساره الحر واتجاهه الصحيح. وكان من الضروري «لتاريخية» الخلاص، أو لوضعه في التاريخ، من وجود منهج علمي لتفسير العملية التاريخية وتحديد قوانينها والقوى المحركة لها، بالإضافة إلى الممارسة الثورية التي لا تكتفي بنقض الأوضاع القائمة، بل تسعى لبناء مجتمع إنساني جديد، يزول منه القهر والقمع والاستغلال والاغتراب.
67
ولم يكن من المستغرب أن يلجأ بلوخ للتعبيرات الدينية أو شبه الدينية التي امتلأ بها «مبدأ الأمل» خلال حديثه المجازي عن الهدف النهائي أو بالأحرى «اليوتوبي» لعالم المادة وعالم الإنسان. ذلك أن الغاية النهائية أو الخير الأقصى والأسمى، قد وصفا منذ القدم باسم الجلالة «الله». وإذا كان بلوخ - شأنه في هذا شأن الماديين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم - قد تحاشى هذه التسمية، وآثر شيئا يمكن أن يوصف بالقدر أو المشيئة العارضة التي تحدث الجديد وغير المنتظر وتظهرهما في «الهنا والآن»، فقد تسرب هذان المفهومان إلى فلسفته من الموروث الديني، وأجرى عليهما نوعا من التجريد من الروح الأسطورية أو التخلص من سحر الأسطورة الذي يميز كل ألوان الحداثة في عصرنا، وبذلك شدهما إلى عجلة الصيرورة الدائرة في عالمنا ودنيانا «هنا والآن». ولكن نزعة التجرد من التفكير الأسطوري - التي اتجهت منذ عهد فويرباخ وماركس إلى نقد الأيديولوجيات وكشف القناع عن المضامين الدينية بوصفها من خلق البشر وافتراضهم وصنع خيالهم - لم تستطع القضاء على الإشكالات الدينية، فبقيت عالقة بفكر بلوخ المادي والدنيوي، وظلت ماثلة في الأسلوب المجازي الذي يميز لغته التعبيرية، وفي الثنائية الجدلية التي نجدها واضحة عنده في تأكيد الضرورة والعرضية في حياة البشر وتاريخهم، وافتراض «الكل» الكوني اللانهائي مع القول بعدم تحقيقه لهويته أو ذاتيته تحقيقا نهائيا.
وهنا يمكن أن نضيف أن التراث اليهودي كان له تأثير كبير على فلسفة بلوخ، فهذا التراث الذي ظل طويلا في حالة اشتياق للخلاص من أجل مستقبل أكثر أمنا وإشراقا هو الذي صاغه في فلسفة حقيقية للأمل واليوتوبيا، وربما جاز القول بأنه كتب فلسفة للتاريخ من روح «الخروج»، أي الخروج من تاريخ الظلم والاضطهاد والاغتراب إلى «مملكة الحرية»، كما أن التراث اليهودي الصوفي الطويل - الذي شكل جزءا كبيرا من حياة بلوخ وفكره - قد أثر أيضا في توهج الصور المجازية والشعرية والرمزية التي ميزت كل كتاباته، ولكن يمكن القول أيضا إنه تجاوز الحلم اليهودي بمفهومه الضيق وحلق به في آفاق أكثر اتساعا حتى وصل الحلم إلى قمته في اليوتوبيا التي يجب أن تحرر الإنسان من الاغتراب، وهذه اليوتوبيا التي حلم بها بلوخ هي ما أطلق عليه اسم «الوطن»، أو الجماعة الإنسانية الحرة العادلة.
ولأن الهدف الأخير أو «اليوتوبيا» النهائية، التي تسعى إليها فلسفة بلوخ يستحيل التعبير عنها بغير الأسلوب المجازي والميتافيزيقي، فقد بقي أسلوبه وفكره شديد القرب من لغة التفكير الديني ومنهجه وأسلوبه، سواء أكان هذا التفكير صوفيا وجدانيا أو لاهوتيا عقليا، ولذلك لا نعجب إذا وجدنا بعض الكتاب والنقاد يصفون فلسفته بأنها في حقيقتها فلسفة دينية. والواقع أن هذا الوصف فيه شيء من الحقيقة لا الحقيقة كلها، لأن الفكر الفلسفي كله قد نشأ في الأصل عن الأسئلة والمشكلات الدينية، وإن كان بلوخ مثل غيره من الماديين قد أنزلوا هذه الأسئلة والمشكلات من السماء إلى الأرض، ولم يكتفوا «بعلمنتها» (نسبة إلى العالم) «وعقلنتها» كما فعلت الفلسفة طوال تاريخها، وإنما قلبوا المتعالي وأسكنوه العالم والأرض، ولا تزال الفلسفة قريبة من الدين كلما لمست «الأسئلة الحدية» التي تطرحها الميتافيزيقا وسليلتها الأنطولوجيا، أو عرضوا لمشكلات القيم والموت والمصير ... إلخ. ومع أن الفلسفة تطرح الأسئلة والمشكلات الدينية طرحا مختلفا، وتستخدم المفاهيم الدينية بطريقة مغايرة، فهي لا تستغني أبدا عن الاقتراب من الدين والتحليق في أفقه، وبخاصة حين تبتعد عن اللغة العلمية وتلجا إلى اللغة المجازية. والدليل على هذا أن اللاهوتيين قد انجذبوا إلى فلسفة بلوخ وإلى الفكرة المحورية التي تعالجها لغته التبشيرية الجياشة بالصدق بتنويعات مختلفة،
68
अज्ञात पृष्ठ