125

وربما كان من المضحك أن نلاحظ أن الملك في أثناء حديثه إلى وجوه دولته يرى سيدة تصطك أسنانها من البرد، فإذا نهاها عن ذلك حاولت أن تملك نفسها ولكنها لا تستطيع، فيأمرها الملك بالخروج ويمضي في حديثه ، ولكنه يسمع أسنانا أخرى تصطك فيهم أن يغضب، ولكنه ينظر فإذا الملكة هي التي تصطك أسنانها من البرد؛ هنالك يأذن بالنهوض وضرب الأرض بالأرجل طلبا لبعض الدفء، وكذلك ينهض هو وتنهض معه حاشيته ويأخذون في طرق الأرض بأرجلهم، حتى إذا ظفروا ببعض الدفء، عادوا إلى مقاعدهم ومضى الملك في حديثه.

ثم يعرض علينا المطبخ، وقد أخذ رجال ونساء من وجوه الدولة يعملون فيه، يهيئون الوليمة التي ستدعى إليها الأميرة إذا كان المساء، وهم يختصمون فيما بينهم خصومات مضحكة تدل كلها على أنهم محنقون من هذا العمل الذي اضطروا إليه والذي لا يحبونه، ولا يحسنونه، ولا يعملونه في قصورهم، وإنما هو فقر الدولة قد اضطرهم إلى هذا الهوان؛ لأن هذا الزواج سيجلب للدولة مالا كثيرا فيعود أمرها إلى اليسر والثراء، ولكنهم على ذلك قد ضاقوا بالملك وابنه وبهذه الحياة المنكرة التي تفرض عليهم وعلى الشعب.

فهذه الأنوف الضخمة الفخمة البشعة، إنما فرض عليهم وعلى الشعب كله حملها؛ لأن الأمير قد ولد كبير الأنف بشعه، فأراد الملك ألا يحس الأمير أنه منفرد بهذه البشاعة ممتاز بهذا القبح، فشرع قانونا يفرض على الشعب كله أن يتخذ الأنوف الضخام، ومضى الشعب على هذه السنة المنكرة حتى ألفها وحتى أصبحت الأنوف الطبيعية عورة يجب أن تستر، وحتى تهالك الناس على التماس هذه الأنوف الطبيعية، يختلسون النظر إليها خفية ومن وراء الحجب، ويتحدثون عن أماكن اللهو التي يمكن أن يغشوها وأن ينفقوا فيها النفقات الضخمة ليروا أنفا طبيعيا جميلا، وليستطيعوا مسه، فأما تقبيله فشيء لا يتاح إلا للذين ينفقون في سبيله أضخم النفقات.

وللملك أخ ضيق بهذه الحياة، طامع في العرش، يدبر ثورة يخلع بها أخاه ويطرد بها ابن أخيه، ويرقى بها إلى الملك، ويزيل عن الناس أنوفهم هذه المستعارة، ويبيح لأنوفهم الطبيعية أن تظهر للهواء والنور وتستمتع بحريتها كاملة، وهو يتحدث في المطبخ إلى أعوانه من وجوه الدولة بما دبر من هذه الثورة، فيقرونه على خطته، ويتفقون على إفساد خطة الملك، ومنع زواج ابنه، وعلى أن وسيلتهم إلى ذلك ستكون إفساد الوليمة أولا، فسيقدم إلى المدعوين أقبح طعام وأردؤه، وستكون الخدمة منكرة مخالفة للمراسم والتقاليد، وسيتعمدون حين يدورون بالصحاف والشراب على المدعوين أن يسيئوا الخدمة، فيصبوا النبيذ والمرق على ثيابهم الجميلة وعلى أكتاف السيدات العارية، ثم سيفسدون على الضيف نومهم، فيضعون الضفادع في الأسرة، حتى إذا كان الغد واحتشد الأشراف والشعب لإمضاء عقد الزواج صدرت إشارة، فألقى كل إنسان أنفه الصناعي، وأظهر الأشراف جميعا أنوفهم الطبيعية وأعلنت الثورة، ورأى الأمير أنه وحده صاحب الأنف الضخم القبيح.

وهم يتفقون على هذا كله، وقد استمع الأمير لبعضه أثناء مروره أمام المطبخ فابتهج له؛ لأنه كاره لهذا الزواج، يريد ألا يتم.

ثم يعرض علينا مقدم الأميرة، وقد خرج الملك لاستقبالها في بعض الطريق، فلم يكد يتلقاها ويتحدث إليها، ويظهر لها صورة الأمير حتى تراع الفتاة حين ترى هذا الأنف، وحين تعلم أن الأنوف كلها في مورافيا على هذا النحو من البشاعة، ويزداد جزعها حين يعرض عليها الملك أنفا صناعيا تخفي به أنفها الصغير الجميل، وهي تثور وتمتنع وتحاول أن ترفض هذا الزواج، ولكن وزير أبيها يذكرها بأنه الزواج أو الدير، فتذعن كارهة، وتضع أنفها الصناعي كما يضع رجال حاشيتها ووصائفها أنوفهم الصناعية.

وتصل إلى القصر وهي تتمنى ألا يتم هذا الزواج بشرط ألا تكون هي مصدر هذا الإخفاق حتى لا تضطر إلى الدير، وقد احتاط أبوها الملك واحتاطت معه دولة القوقاز لهذا النكر الذي ستدفع إليه الفتاة، فألحق بحاشيتها ضابط رشيق وسيم ليكون في خدمتها وليعزيها عن حياتها تلك المنكرة. وقد أخذ هذا الضابط يتقرب إليها، وأخذت هي تطمئن إلى دعابته، ولكنها ربما فكرت في أن تهرب مع هذا الضابط إلى حيث يعيشان عيشة الحب والسعادة بعيدين عن هذه الأنوف الكبار.

وقد بلغت الأميرة القصر واستقبلها الأمير استقبالا فاترا متكلفا، أنكر أنفها، وأنكرت أنفه، وتمنى كلاهما ألا يتم هذا الزواج، ثم كانت الوليمة، وأقبل الخدم وهم من وجوه الدولة، فقدموا أردأ طعام وخدموا أسوأ خدمة، وهم بعضهم أن يصب النبيذ على الأميرة فيتقيه الأمير بيده، وهم آخر أن يميل قنديله ليسقط على كتف الأميرة الشمع المذاب، فيضع الأمير يده على كتفها ليتلقى هذا الشمع، وتذعر الأميرة لذلك فتلطمه، ويوشك الأمر أن يفسد لولا أن الوزير يرمق الفتاة فتذكر الدير، ولولا أن المرضع تمس الأمير فيذكر حاجة الدولة إلى المال.

وتمضي السهرة على شر حال، وتمر الأميرة بالمطبخ مستخفية حين يتقدم الليل، فتسمع الأشراف وهم يتخذون قراراتهم الأخيرة لإتمام الثورة، فتبتهج بهذه القرارات، وتنضم إلى المؤتمرين؛ لأنها لا تريد أن يتم الزواج، ولأنها لن تحتمل تبعة الإخفاق إذا كانت الثورة.

ولكن وزير أبيها مختبئ كما كانت مختبئة، وهو يسمع لما سمعت له ويندس بين المؤتمرين، حتى إذا أجمعوا أمرهم أعلن إليهم أنه مكلف أن يزوج الأميرة من وارث العرش في مورافيا كائنا من يكون، فإما أن يقبل أخو الملك، أن يتخذ الأميرة لنفسه زوجا، وإما أن يفضح هذه الثورة قبل وقوعها.

अज्ञात पृष्ठ