ولفنا الصمت في مجلسنا مليا.
وكان هو بالحديث البادئ .
قال: هلا أنبأتني أين مقامك؟ وفيم لقاؤك؟ حتى نتوافى إلى يوم آخر طيب كهذا جميل المبتدأ حلو المختتم.
وا حسرتاه ... يوم آخر ... لقد نهضت في مخيلتي جدران الملجأ وأسواره الشاهقة، وكإنسان بلغ أقصى نهاية العذاب، ثم لم يستطع عليه بعد ذلك صبرا. رحت بين عبرة مخنوقة، وزفرة كظيمة، أقص عليه قصتي، فلما أتممتها امتدت ذراعه فطوقتني، وراح صوته في مثل حنان الأمومة يقول: واها لك أيتها المسكينة! واها لك أيتها الصغيرة المحزونة!
وجثوت إلى جانب أبي.
فاستعدت يدي من إمساكته وحاولت الكلام بثبات، ولكني اختنقت بالعبرات فلم أستطع صبرا.
قلت: والآن لا أمل! لقد ذهب الحلم الجميل، ولم يبق غير ذكرى هذه الساعات القليلة، تلك عدة أيامي القادمة.
وعاد يتناول يدي الباردتين في يده الحارة المستعرة، وراح يقول في لهجة المتضرع المبتهل: ما أحوجني إلى عونك يا عون أبيك وأهلك، إن لدي البيت الذي كنت به تحلمين، والأفق الذي كنت عليه تلتهفين، أواه أيتها الصغيرة! ... أنت والله المرأة التي كنت الحياة كلها أتمناها، وتهفو نفسي إليها، فهل تجدين في فؤادك لعامل دؤوب مثلي موضعا؟ وهل ترضين بي في الحياة شريكا؟
وشد يدي حتى كاد يؤلمني، ولكني لم أتألم ولم أحفل؛ فقد كانت تلك أولى ساعات الحب ومطالعه.
لقد لقيت ضالتي المنشودة وفزت في قنص الحب، وصحت الأحلام بعد لأي ويأس. وما أبدع الحب يجيء وئيدا ويقبل على مهل، فينعش موات الأمل، وينسي المرء ما كابد على الطريق وما ذهب من مراحل الأجل.
अज्ञात पृष्ठ