नाजी जर्मनी: आधुनिक यूरोपीय इतिहास का एक अध्ययन (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
शैलियों
وهذه المبادئ هي التي طبقها النازيون في دولتهم بكل دقة، ولم يلجأ النازيون إلى المواربة لإخفاء ما كانوا يريدون؛ بل أعلن الدكتور «لي» تأييدا لإشراف الدولة - أي الحزب النازي نفسه - على حياة الأفراد: «إن من الواجب على كل فرد أن ينضم إلى صفوفنا ويسير معنا، ومن واجبه أن يقبل العمل بالروح المتغلبة علينا ويرضى به، وإلا تعذر عليه تماما أن يجد هواء يستنشقه؛ لأننا سوف نحرمه أية فرصة تمكنه من كسب عيشه، بل ندعه يموت ويفنى، وإذا قال قائل إنه يريد أن يترك وشأنه ليعيش في سلام أجبناه بالنفي دائما، وقلنا له: كلا يا صديقي، فإني لن أفكر في فعل شيء من هذا مطلقا.» والواقع أن الدكتور «لي» كان يعني ما يقول؛ إذ من المعروف أنه كان لديه حوالي المليون من الرجال المنتشرين في كل نواحي البلاد مهمتهم الأولى الحرص على تطبيق ما قاله زعيم جبهة العمل في الريخ الثالث.
ولما كانت هذه مبادئ النازية وتعاليمها، ولم يكن مسموحا للأفراد أن يتخلفوا في الطريق حتى يحيوا الحياة التي يريدونها، عني النازيون من مبدأ الأمر بضرورة القضاء على كل معارضة من شأنها عرقلة سير هذا النظام الوطني الاشتراكي، وضربوا بيد من حديد على كل مخالفة داخلية منذ خلص لهم الحكم في ألمانيا، فقد تساءل وزير دعاوتهم المعروف الهر جوبلز في خطاب ألقاه في نوفمبر 1934: «عن أولئك الذين ينقضون النظام القائم»، فقال: «هل هم من أعضاء الحزب النازي؟ كلا! هل هم إذن بقية الشعب الألماني؟ إذا كان الأمر كذلك فخليق بهم أن يعدوا أنفسهم سعداء ؛ لأنهم لا يزالون على قيد الحياة! الواقع أنه من المتعذر كل التعذر أن يطمع إنسان يعيش بفضل ما نظهره من رحمة عليه، في أن نسمح له بتوجيه النقد إلينا.» ورغبة في أن يقضي النازيون على كل أثر للمعارضة أو التذمر اعتبرت «محكمة الريخ العليا» أي نقد يوجه للنظام القائم من الأمور التي تدخل تحت طائلة القانون، وتقتضي عند الإدانة توقيع العقوبة الصارمة، سواء أكان هذا النقد أو التجريح أو التعريض في دائرة الأسرة وبين جدران البيت، بين الزوج وزوجه أو الوالد وولده، أم كان علانية في محل عام، بل إن هذه المحكمة العليا لم تلبث أن ذهبت في سبتمبر 1937 إلى أنه من واجب الأفراد أن يتحللوا من أية يمين أقسموها على كتمان حديث دار سرا وتناول المتحدث في أثنائه النظام القائم أو نشاط المهيمنين على شئون الشعب بالنقد أو التجريح، كما ذهبت إلى أنه من حقها توقيع العقوبة في الحالات التي يثبت فيها أن المتحدث لم يكن يريد التشهير بالنظام القائم أو بأشخاص المسئولين عن هذا النظام أو بأعمالهم ونشاطهم. ومن الطريف أن المحكمة العليا قضت بعدم إنزال العقوبة بالأشخاص الذين يثبت أنهم كانوا يتحدثون إلى أنفسهم ولا يقصدون إذاعة شيء مما يقولون، ولا يرومون أن يسمع أحد ما يتحدثون به إلى أنفسهم، وكذلك أولئك الذين يدونون انتقاداتهم في مذكرات أو يوميات خاصة، ولا يحتفظون بها من أجل نشرها، ثم وقعت هذه المذكرات أو اليوميات بطريق المصادفة أو الإهمال في أيدي غيرهم. ومع هذا كان «الجستابو» يأخذ برأي مخالف لما ذهبت إليه المحاكم في هذه الشئون وما يماثلها. وقد تقدم كيف سيطر الجستابو سيطرة تامة على الحياة في ألمانيا حتى صار لا يمكن أن يفلت من قبضته إنسان.
وكان من أثر ذلك أنه لم يعد في ألمانيا وجود لحياة خاصة، في البيت أو الأسرة، كما انعدمت الحياة الحرة الطليقة التي تكفل حرية الرأي والفكر والعمل. ومن أقوال بعض الذين درسوا هذا الموضوع في ألمانيا النازية قبل الحرب: «إن تدخل النازيين في حياة الفرد إنما يبدأ في الحقيقة قبل أن يولد ويخرج إلى عالم الوجود، ثم يظل هذا التدخل باقيا حتى بعد وفاة الفرد وانتقاله إلى العالم الآخر؛ لأن النازيين هم الذين يقررون هل ينبغي لك أن تولد أو لا تولد، فهم الذين يقررون أي الأشخاص يصح له أن يتزوج أو لا يتزوج، وهم الذين يشترطون على من يرغب في الزواج، ويصرح له بذلك، أن يختار الزوج التي يرون أنها تصلح له، وهم الذين يقررون إذا كان ينبغي للمتزوج أن يكون له نسل أو لا يكون، كما أنهم يقررون مصير من يرونهم غير صالحين للزواج، فيقتلونهم أو يخصونهم أو يعقمونهم.» وليس أدل على مبلغ صحة هذا القول من النظر في حياة أسرة عادية في ألمانيا النازية. •••
وفي التنظيم النازي تحتل الأسرة مكانا ممتازا، لا لأن النازيين يعنون بدعم أركانها على اعتبار أنها الأساس الذي يقوم عليه بنيان المجتمع، وإنما يعنى النازيون بأمر الأسرة من وجهة نظر محدودة؛ إذ يعتبرونها مجرد «أداة» تمكنهم إذا أحكموا الإشراف عليها، وسيطروا على حياة أعضائها، من بنيان النظام الوطني الاشتراكي الذي ينشدونه، وهو نظام كما تقدم القول، يرمي إلى إفناء الأسرة في شخص الدولة، وإفناء الفرد في شخص الزعيم تحقيقا في نهاية الأمر لمبدأ الزعامة المسئولة. ومن هذه الناحية وحدها نشأ اهتمام النازيين بأمر الأسرة، فإذا عرف أن من برنامج النازيين لتحقيق سيطرتهم الأوروبية والعالمية، أنه ينبغي من مبدأ الأمر تأليف كتلة صلبة متماسكة في قلب الريخ الألماني، أصبح من الميسور إدراك ما للأسرة من أهمية في نظامهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ إذ كيف يتسنى لهم إنشاء ذلك المجتمع النازي المتماسك في قلب ألمانيا إذا ظل أعضاء كل أسرة أحرارا طليقين، يعيشون ويفكرون، ويعملون كما يشاءون؟ لذلك لم يكد يتسلم النازيون أزمة الحكم في ألمانيا حتى شرعوا ينظمون حياة الأسرة تنظيما دقيقا، ارتبط منذ البداية بالخطط والقواعد التي وضعوها لدعم النظام الجديد، الذي أكثروا من الدعاوة له عندما أحرزوا انتصاراتهم الخاطفة في القارة الأوروبية، بينما لم يكن هذا النظام جديدا في الحقيقة، بل عرفه الأهلون أنفسهم وتذوقوا طعمه في ألمانيا ذاتها، قبل أن يطبقه النازيون في بقية أرجاء أوروبا المفتوحة بزمن طويل.
وكان معنى الإشراف على تنظيم حياة الأسرة، تدخل الدولة - أو بالأحرى الحزب النازي نفسه - في شئون الزواج، وتربية الأطفال والناشئة، والصحة العامة، كما اقتضى هذا التدخل بحث مركز المرأة، وتحديد العلاقة بين المرأة والرجل، وتنظيم حياة الأسرة من الناحية الاقتصادية أيضا لتعيين مقدار حاجاتها من مأكل وملبس ومأوى وما إلى ذلك من مطالب.
على أن هذا التنظيم لم يكن سهلا هينا؛ لأنه كان يرتبط في الحقيقة بجميع المسائل والمعضلات الاجتماعية الاقتصادية التي واجهت النازيين من أول الأمر، وأهمها: مسائل الآرية واليهودية، وتحديد النسل أو الإكثار منه، واحتقار المرأة أو الإعلاء من شأنها، وإجازة العلاقات الجنسية الشاذة أو تشجيع الزواج، إلى غير ذلك.
ولعل أدق المشكلات التي كانت تواجه الفرد الألماني العادي في دولة النازيين، هي مشكلة زواجه، ولما كان من المتعذر الإفاضة في بحث فكرة الزواج ومنشئها البيولوجي أو الاجتماعي، وتطورها في مختلف العصور، فقد يكفي أن يذكر القارئ أن الزواج في المجتمع الألماني، قبل وصول النازيين إلى الحكم، كان يتم بناء على الرغبة المتبادلة بين الرجل والمرأة على أساس اتفاق الميول أو العاطفة أو المصلحة. ولكنه لما كان الزواج هو الأساس الذي يمهد لقيام الأسرة والرباط الوثيق الذي يحفظها، لم يرض النازيون بأن يظل الزواج من المسائل الشخصية المتروكة لتدبير الراغبين فيه؛ بل جعلوا للزواج مقاييس جديدة: جنسية، واجتماعية، وعقلية، وجثمانية، وخلقية، بدعوى أن ملاحظة هذه المقاييس من الأمور التي تعني الدولة ذاتها قبل أن تعني الأفراد؛ لأن مهمة الدولة في النظام النازي الجديد، إنما هي السهر على إعداد مجتمع وطني اشتراكي صميم، وينبغي لذلك أن تتوافر في الأفراد الذين يتألف منهم هذا المجتمع صفات جثمانية وجنسية وعقلية وخلقية خاصة؛ لذلك سرعان ما أصدر النازيون في هذا الشأن قانونا أسموه: «قانون المحافظة على صحة الشعب الألماني الوراثية»، واشتهر هذا القانون باسم: «قانون الصحة والزواج ».
وبمقتضى هذا القانون أنشئت رقابة صارمة على الزواج، فمنع من الاستمتاع به كل مصاب بعاهة جثمانية أو عقلية أو انحلال خلقي ، ثم تحتم في الوقت نفسه على كل راغب في الزواج أن يحصل مقدما على «شهادة صلاحية للزواج»، وهذه الشهادات كانت تصدرها السلطات المسئولة عن الصحة العامة - أو مكاتب الصحة العمومية - ولم تكن تعطى لمن يطلبها إلا إذا فحص فحصا دقيقا وأجاب على عدة أسئلة تتعلق بحالته الشخصية، وبحال أسرته. ومن المسائل التي كان يفحصها «الممتحنون» وينبغي تدوينها في «شهادة صلاحية الزواج»، أو رخصة الزواج: مقدار نمو الشخص الجثماني، وتوزيع الدهن في جسمه، ونمو عضلاته، ثم حياته الجنسية وحال أعضائه التناسلية، وعدد مرات إخفاقه في أثناء دراسته ونواحي نموه العقلي وسن الطفولة التي أمكنه فيها أن يتكلم وأن يمشي وكذلك أمراض الطفولة، ومقدار انكبابه على الكحول والتدخين ومدى قدرته على الإنسال، إلى غير ذلك من الأمور، وكانت جميع هذه التفاصيل تدون على أحد وجهي الرخصة المعطاة، بينما يلصق على الوجه الآخر صورة شمسية نصفية لصاحب الرخصة.
أما الأشخاص الذين كانوا يحرمون بتاتا من الزواج - رجالا كانوا أم نساء - فهم الذين كانوا يدخلون بمقتضى قانون الصحة والزواج، في زمرة جماعة من الجماعات الأربع الآتية؛ أولا: الأشخاص المصابون بأمراض معدية، ويخشى أن يفضي زواجهم إلى نقل هذه الأمراض إلى زوجاتهم - أو أزواجهم - أو إلى أطفالهم. ثانيا: كل الموضوعين تحت الوصاية أو ما يماثلها. ثالثا: الأشخاص الذين - على الرغم من عدم وجودهم تحت نوع من أنواع الوصاية - يثبت أنهم مصابون باختلال أو ارتباك عقلي، ويبدو من وجهة نظر المجتمع عموما في هذه الحالة أنه من غير المرغوب فيه زواجهم. رابعا: الأشخاص المصابون بأمراض وراثية. وزيادة على ذلك فإن المحاكم النازية عند تفسير هذا القانون ما لبثت أن أضافت جماعة خامسة حرم عليها الزواج، ووصف أفرادها بأنهم من الذين يعتبر زواجهم مخالفا لروح القانون وأهدافه، مثال ذلك: الرجل الذي صار عقيما، فإنه لا يبغي له أن يتزوج من امرأة متمتعة بصحة طيبة وبقدرة كاملة على الإنسال؛ لأن الزواج في هذه الحالة لا يؤدي الغرض منه، وهو إنتاج الأطفال الذين تحتاجهم الدولة.
وأما الأمراض المعدية فهي الزهري والحمى الصفراء والدفتريا والتيفوس، والبرص والجدري، والطاعون، والسل. وأما الموضوعون تحت الوصاية فهم أولئك الذين تقرر المحاكم عدم قدرتهم على إدارة شئونهم لإصابتهم بالخبل أو إمعانهم في السكر، أو إسرافهم في الاقتراض والاستدانة. وأما أفراد الجماعة الثالثة فهم المتهمون باللواط، والاختلاط الجنسي الشاذ مع النساء، وهؤلاء يجب عليهم أن ينتظروا حتى يكتب لهم الشفاء التام من هذه الأدواء وكذلك الميالون إلى الإجرام أو الذين صدرت ضدهم أحكام بسبب القتل أو السرقة أو خطف الأطفال والأفراد.
अज्ञात पृष्ठ