اللقاء الشهري
اللقاء الشهري
शैलियों
وقفات مع الصلاة
الآن نبدأ هذا اللقاء بكلام يسير عن وقفات في الصلاة: الصلاة التي هي عمود الإسلام، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، لا بد أن يكون لها شأن عظيم، حيث نالت هذه المرتبة، ولنقف وقفات مع هذه الصلاة.
فالصلاة لها مقدمات من أهمها: الطهارة: فإنها مفتاح الصلاة، فالطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، والطهارة من النجاسة في البدن والثوب والبقعة، وهذا يدل على أنها ذات شأن؛ لأنه لا يوجد شيء في العبادات اتفق العلماء على اشتراط الطهارة له إلا الصلاة، فالطواف مختلف فيه، هل يشترط له الطهارة أو لا؟ ومس المصحف مختلف فيه، هل تشترط له الطهارة أو لا؟ ولم يجمع العلماء على شيء من العبادات تشترط له الطهارة إلا الصلاة، فهي ذات شأن، لا يدخلها الإنسان إلا وقد طهَّر ظاهره وباطنه.
فيقف بين يدي الله ﷿ ويكبر تكبيرة الإحرام.
قال بعض العلماء: والحكمة من ذلك بعد كونها اتباعًا لرسول الله ﷺ، أنها إشارة إلى رفع الحجاب بين المصلي وبين ربه.
ثم بعد ذلك يضع يده اليمنى على اليسرى مطأطئًا رأسه، خاضعًا لله ﷿ بعد أن يكبر فيقول: الله أكبر.
فأنت ترى نفسك -الآن- واقفًا بين يدي الله، بين يدي ملك الملوك، الذي يعلم ما توسوس به نفسك، ويعلم أحوالك كلها، فلتتأمل من وقفت بين يديه، لو وقفت بين يدي ملك من ملوك الدنيا، لوجدت نفسك صامتًا لا تتكلم، ولا ترفع الطرف إليه؛ تعظيمًا له، فكيف وأنت بين يدي الله ﷿، فاستحضر عظمة من أنت واقف بين يديه تناجيه بكلامه، فأنت تقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:٢] فيجيبك الله ﷿ من فوق سبع سماوات ويقول: حمدني عبدي، فإذا قلت: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:٣] قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قلت: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة:٤] قال الله: مجدني عبدي، فإذا قلت: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥] قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قلت: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٦-٧] قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
تأمل هذه المحاورة والمناجاة بينك وبين الله ﷿، ولهذا كان النبي ﷺ يقف في سورة الفاتحة عند كل آية، يتأمل ويتدبر.
ثم بعد القراءة -قراءة الفاتحة، وقراءة ما تيسر من القرآن- تحني ظهرك تعظيمًا لله راكعًا، ولهذا قال النبي ﵊: (أما الركوع فعظموا فيه الرب) فتكون معظمًا لله ﷿ بهيئتك وفعلك وقولك.
بهيئتك؛ لأن هيئة الركوع تعظيم.
وفعلك؛ لأن الركوع والانحناء فعل.
وقولك: لأنك تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، ثم تعود مرة ثانية إلى الوقوف بين يدي الله ﷿ حامدًا له بمحامده التي جاءت عن رسوله ﷺ، ثم بعد هذا تخر ساجدًا واضعًا أعلى ما في بدنك، وأشرف ما في بدنك، واضعًا إياه في محل أقدامك، ولهذا ترى الساجد يضع جبهته عند السجود ويقول: (سبحان ربي الأعلى) لا يقول: سبحان ربي الأعز، يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأن أعلى ما فيك صار محاذيًا لأسفل ما فيك.
ما هو أسفل ما فيك؟ الأقدام.
وأعلى ما فيك الجبهة، فصار أعلى ما فيك محاذيًا لأسفل ما فيك، وهذا لا شك أنه ليس كالعلو، فلهذا تقول: (سبحان ربي الأعلى) الذي هو منزه عن السفل، فتجد أن هذا الذكر مناسب تمامًا للسجود، ثم تعود لتجلس بين السجدتين داعيًا الله ﷿ بما جاء عن رسوله ﷺ ثم تعود مرة ثانية إلى السجود.
وهكذا نجد أن الإنسان في صلاته يتنفل بين روضات العبودية، من قيام إلى ركوع إلى سجود ومن قرآن إلى ذكر وتعظيم، ومن ذلك إلى دعاء الله ﷿.
قال النبي ﵊: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم) .
إنني أحث نفسي وإياكم على تأمل هذه الأشياء وهذه الأفعال وهذه الأقوال، حتى تكون صلاتنا صلة بيننا وبين الله ﷿، وحتى لا تكون وكأنها عادة نقوم بها في أوقاتها المحددة.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الخاشعين في صلاتهم، المداومين عليها، المحافظين عليها.
وإلى الأسئلة التي جمعها الإخوة نسأل الله أن يوفقنا فيها للصواب.
1 / 3