وإله السماء هو «الإله» الذي يصرف الأكوان ويدبر الأمور ويرسم لكل إنسان مجرى حياته الذي لا محيد عنه، وإنما يداول تركيب الوجود من عنصرين هما «ين» عنصر السكون و«يانج» عنصر الحركة، وقد يفسر عنصر السكون بالراحة والنعيم وعنصر الحركة بالشقاء والعذاب، فهما بهذه المثابة يقابلان عنصري الخير والشر وإلهي النور والظلام في الأديان الثنائية.
وقد امتزجت عبادة الأسلاف بعبادة العناصر الطبيعية في القرن العاشر حين تسمى عاهل الصين باسم «ابن السماء»، ويقال إنه استعار الفكرة من كاهن ياباني أراد أن يزدلف إليه فعلمه مراسم تأليه الميكاد في بلاده، فنقلها العاهل إلى بلاط الصين.
وأراد الفيلسوف «شوهسي» في القرن الثاني عشر أن ينشئ بوذية صينية توافق مذهب بوذا في أمور وتخالفه في أمور، فدعا إلى دين لا إله فيه ولا خلود للروح، ووضع «لي» موضع «كارما» الهندية أو القانون أو القضاء والقدر.
وسمى دولاب الزمن «تايشي» لأنه هو المحرك لجميع الكائنات، وجعل القانون والدولاب والمادة أو «ووشي» قوام العالم ظاهره وخافيه، فالمادة تحد من القانون، والقانون خالد لا وعي له ولا يسمع ولا يجيب، وإنما ينشأ الوعي أو الإدراك في الإنسان من قدح القانون للمادة كما ينقدح الحجر من الزناد فيخرج الشرر ثم ينطفئ فيموت، وتزول الأرواح كما تزول الأجساد متى نضجت كما تنضج الثمرة في أجلها المعلوم، وقد يبطئ النضج فيطول بقاء الروح فهي إذن طيف أو شبح، كأنها الثمرة في حالة العفن والإهمال.
وليس لأهل الصين رسل وأنبياء بل لهم معلمون ومربون، فاسم كنفشيوس أشهر هؤلاء المعلمين «كنج فو» وأضيفت إليه تسي أي المعلم، وكذلك «لاو» الذي ولد قبله ولم يشتهر في خارج الصين مثل اشتهاره يعرف بلاوتسي أي المعلم لاو، وكلاهما يبشر بالحلم والصبر والبر بالوالدين والعطف على الأقربين والغرباء، والفرق بينهما هو فرق في الخلق والمزاج وليس بفرق في العقيدة والإيمان، فلاو يقول: «من كان طيبا معي فأنا طيب معه، ومن أساء إلي فأنا طيب معه كذلك. فلنجز السيئة بالحسنة ولنعمل الطيب على كل حال» أما كنفشيوس فهو يوصي بأن نقابل السيئة بالعدل وأن نقابل الإحسان بالإحسان.
ولما مات كنفشيوس 478ق.م أقاموا له الهياكل وعبدوه على سنتهم في عبادة أرواح الأسلاف الصالحين، وأوشكوا أن يتخذوا عبادته عبادة «رسمية» أي حكومية على عهد أسرة هان في القرن الثاني قبل الميلاد، وأوجبوا تقديم القرابين والضحايا لذكراه في المدارس ومعاهد التعليم، وكانت هياكله في الواقع بمثابة مدارس يؤمها الناس لسماع الدروس كما يؤمونها لأداء الصلاة. ولم تزل عبادته قائمة إلى العصور المتأخرة بل إلى القرن العشرين، فخصوه في سنة 1906 بمراسم قربانية كمراسم الإله الأكبر «شانج تي» إله السماء لأنه في عرفهم «ند السماء» ومن لم يؤمن اليوم بربوبيته من الصينيين المتعلمين فله في نفسه توقير يقرب من التأليه، وقد جعلوا يوم ميلاده - وهو السابع والعشرون - من شهر أغسطس عيدا قوميا يحجون فيه إلى مسقط رأسه، وينوب عن الدولة موظف كبير في محفل الصلاة أمام محرابه.
وشعائر الدين بين أهل الصين هي شعائر الطريق أو شعائر «السلوك» وفرائض التهذيب والتثقيف، ومحورها الحلم والسلم والتحذير من العنف والغضب والإفراط والإسراف، وليس في تدين الصين مغالاة ولا حماسة ولا سورة من سورات الغيرة القوية والتعصب العنيف، بل ليس شيء من ذلك في معرض من معارض الروح القومي التي تعبر عنها الثقافة أو الفن أو الحكمة أو قواعد الأخلاق. لأن الدعة سمة عامة لمزاج القوم و«روح الأمة»، وهم متفائلون قلما يحنقون على الحياة ولا على الأحياء، وغالب الرأي بين حكمائهم أن الإنسان طيب بالفطرة، وأن الحياة ترضي من لا يسرف في تقاضيها ويلحف في الطلب عليها، ولا تأتي الحماسة الدينية إلا حين يمتحن الإنسان بالشدة البالغة والحيرة الثائرة فيندفع إلى غاية الإصرار، وينقلب من ضميره إلى أعمق الأغوار، ولا شك أن شعور النفس «بالقدرة الإلهية» يتوقف على هذه الحالات التي تتناهى إليها قدرة الإنسان. فلا جرم «يتوسط» أهل الصين في عقائدهم فيخلو إيمانهم بالإله من ذلك العمق الذي يغوص إليه الإنسان كلما جاشت نفسه بقوة الشعور.
ويظهر أن بيئة الصين لم تواجه أبناءها بالعقد النفسية ولكنها واجهتهم بتقلبات العناصر الطبيعية التي تعودت الشعوب قديما أن تروضها بالسحر والكهانة، فجار نصيب الإيمان بالسحر على نصيب الإيمان بالدين، وذاع عن أهل الصين من ثم أنهم أقدر أمة على تسخير الطبيعة بالطلاسم والأرصاد. •••
وموقف اليابان من الرسالة الدينية كموقف الصين على الإجمال، فقد تشابهت عقائدهم في أصولها وعبدوا الأرواح والأسلاف والعناصر الطبيعية، واستعاروا البوذية والإسلام والمسيحية على تفاوت في عدد الأتباع من كل دين، ومزجوا ديانة الشمس بديانة الأسلاف، فلا مخالفة بينهم في هذا إلا بإفراط أهل اليابان في تأليه صاحب العرش واعتدال أهل الصين في تقديسه كاعتدالهم في جميع الشئون.
وإذا كان لأهل اليابان سمة خصوصية في العبادات فهي أنهم اختاروا ربة أنثى لعبادة السلف الأعلى حين وحدوا الأسلاف في أكبرها وأعلاها، وتلك الربة هي «أميتراسوا- أموكامي» التي لا تزال معبودة إلى اليوم.
अज्ञात पृष्ठ