إذ هي إقرار لوسائل المعرفة التي تأتي من غير طريق التحليل والمشاهدة الحسية، واعتراف للنفس بحق في الحكم على الوجود والموجودات لا يتوقف على المعمل والمشرط والمنظار.
وذلك عود إلى حق النفس في الإيمان، وفتح لباب الإلهام والبديهة، بعد أن أوشك الحس أن يغلقه ويقيم عليه الأرصاد.
ولن تفتح باب الإلهام طويلا دون أن يطرقه الطارق المأمول.
العلوم الطبيعية والمباحث الإلهية
بقي رأي العلم الحديث في المسألة الإلهية.
ويحق للعالم الطبيعي أن يبدي رأيا يحتج به في المباحث الإلهية بمقدار نصيبه من صحة العلم وسعة الأفق وقوة العارضة وصدق العبارة، وهو يستفيد هذه الخصال من طول البحث وتعود التمحيص والتجربة ووفرة المعلومات في موضوع واحد أو موضوعات متعددة، ويستطيع - إذا كان ممن يستدلون بنظام الكون على قدرة صانعه - أن يتوسع في تفصيل الشواهد على دقة النظام واطراده في ظواهر المادة وخفاياها التي تحتجب عن غير العلماء المتفرغين لهذه العلوم.
أما العلوم الطبيعية نفسها فليس من شأنها أن تخول أصحابها حق القول الفصل في المباحث الإلهية والمسائل الأبدية؛ لأنها من جهة مقصورة على ما يقبل المشاهدة والتجربة والتسجيل، ومن جهة أخرى مقصورة على نوع واحد من الموجودات، وهي بعد هذا وذاك تتناول عوارض الموجودات ولا تتناول جوهر الوجود، وهو لا يدخل في تجارب علم من تلك العلوم.
فالبيولوجي يدرس أعضاء الجسم الحي، ولكنه لا يستطيع بعلمه أن يبين أسباب الاختلاف بين الخلية الحية والخلية الميتة أو الخلية الجامدة، ولا يستطيع أن يقرر ماهية الحياة؛ لأن أعمال الأعضاء شيء والقوة التي تعمل بها تلك الأعضاء شيء آخر لا يدخل في نطاق البيولوجية التي يتعلمها أقدر المشرحين أو العارفين بتركيب الأجسام الحية.
وإذا قرر العالم البيولوجي أن المادة قابلة لتوليد الحياة فهو لا يقرر ذلك في حدود علمه، بل يقرره في حدود ظنه وتقديره، ويجوز لعالم المعادن - بمثل هذا الحق - أن يقرر أن المادة لا تملك خاصة الحياة؛ لأنه درس ذرة المادة في صورها المعدنية دراسة العلماء.
فالعلم الطبيعي لا يحق له الفصل في المسألة الإلهية.
अज्ञात पृष्ठ