179

و«الثانية»: محاولة الخروج من هذه المشكلة بتعميم قوانين التطور وإدخال الحقيقة الإلهية في نطاقها.

وليس في وسع أحد أن ينكر وجود الشر والألم في هذا العالم بأسره؛ لأن الأديان والفلسفات وشرائع الإنسان جميعا تتلاقى في تحريم الشرور والمعاقبة عليها ومعالجة الخلاص منها، ولكن المطلوب من الفيلسوف - إذا تعذر عليه فهم العالم مع اعتقادنا القدرة الإلهية - أن يمثله لنا في صورة أقرب إلى العقل وأصح في النظر وأثبت في البرهان، وأن يكون إلهه معقولا إذا زعم أن الإله القادر على كل شيء غير معقول.

وذلك ما لم يصنعه واحد من أولئك الفلاسفة ولا اقترب من صنيعه، بل لعلهم قد عرضوا على العقل الإنساني حلولا لا يقبلها ببرهان ولا يقبلها باعتقاد، ولا يقبلها بتخمين.

ونحن لا نزعم أننا نحيط بحكمة الله فيما يلقاه الأحياء من العذاب والبلاء، وفيما يقع منهم أو يقع عليهم من الإيلام والإيذاء، ولكننا نبحث عن صورة للعالم أقرب إلى العقل من صورته هذه فلا تكمل له هذه الصورة عندنا، ولا نرى فيما افترضه الفلاسفة إلا إشكالا يضاف إلى إشكال.

فعلى أي حال كانوا يفهمون وجود الله القادر على كل شيء إن لم يكن في مقدورهم أن يفهموه على هذه الحال؟

إما أن يكون ولا خلق معه على الإطلاق.

وإما أن يكون ومعه خلق كامل لا ينقص ولا يولد ولا يموت، ولا يشتهي ولا يحرم من باب أولى ما يشتهيه.

فأما أن يكون الله القادر على كل شيء ولا خلق معه على الإطلاق - فليس ذلك بأدل على القدرة ولا بأدل على الرحمة، ولا بالأمنية التي يرتضيها سائر الناس إذا ارتضاها الفلاسفة المتعللون على قدرة الله.

وأما أن يكون ومعه خلق كامل فليس له معنى إلا أنهم يطلبون من الله أن يخلق إلها آخر يماثله في الكمال والسرمدية والاستغناء، وكل فرض من فروض العقل البشري أقرب من هذا الفرض المستحيل.

وليس بالمعقول أن يكون خلق كامل لا يشكو ولا يتألم ولا يتحول ولا يتبدل إلا أن يكون إلها آخر يخلقه الله القادر على كل شيء قادرا مثله على كل شيء، فإننا إذا تخيلنا ألف إنسان أو مليون إنسان أو ما شئنا من ملايين الإنسان مخلوقين جميعا على قدرة الإله وكماله لم يكن هذا التخيل أسلم ولا أقرب إلى الصدق مما نراه في العالم على نظامه المعهود، ولماذا يستأثر هؤلاء بالحياة والدوام ونسمي ذلك عدلا من الله بينهم وبين من هو قادر على خلقهم بغير انتهاء؟ وكيف يخلقون بهذه العدة وهم كاملون سرمديون وكل منهم في استغناء الله ودوامه بغير اختلاف؟

अज्ञात पृष्ठ