Allah Reveals Himself to His Servants
الله يحدث عباده عن نفسه
प्रकाशक
دار النفائس للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٣٥ هـ - ٢٠١٤ م
प्रकाशक स्थान
الأردن
शैलियों
الله يُحَدِّثُ عِبَادَهُ عَنْ نَفسِه
تأليف
الْأُسْتَاذ الدكتور عُمر سُلَيْمَان عبد الله الْأَشْقَر
دَار النفائس
अज्ञात पृष्ठ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
"إذا أنت فقهت حديث الله عن نفسه تكون قد عرفت الله بالله، وكنت على السداد والصواب، وسرت على الصراط المستقيم، وخلصت من الجهل والشرك، وانحزت إلى زمرة الإيمان، وكنت بالله عارفًا، ولدينه متابعًا، ولم يك حاجة إلا مقولات الفلاسفة، ولا إلى الدين المحرف الذي عليه المغضوب عليهم والضالون، ولا إلى النظريات التي يرددها علماء الغرب، ولو كان فيما يعلمه هؤلاء كفاية لما أرسل الله رسله، ولا أنزل الكتب، وفي يوم القيامة لا يسألنا ربُّنا عما قرره أصحاب العقول في القديم والحديث، بل يسألنا ربُّنا عما جاءت به نذر ربُّنا".
هذا الاقتباس السابق هو جزء من كلام الوالد الشيخ الأستاذ الدكتور عمر سليمان الأشقر ﵀ في كتاب آخر له. وقد رغبت أن أتقدم به في
1 / 5
سياق هذا التمهيد والتوطئة، فما كان لي أن أتقدم عليه بعد وفاته ﵀، حيث إن الله قدر وفاته أن يسطر كلمات مقدمة هذا المصنف.
في هذا المصنف يختتم الوالد ﵀ حياته كما بدأها في شبابه وطوال سني عمره مهمومًا بتحقيق غاية جلَّيلة لطالما شغلته وملأت عليه تفكيره، تلك الغاية التي تهتم بتقرير معاني الإيمان بالله في نفوس الناس، وربطهم بالخالق ﷿، لقد أخذت هذه الغاية حيزًا كبيرًا من عقل الشيخ ﵀ وتبدى ذلك جلَّيًا في خطبه ومواعظه ودروسه، أيضًا تجد هذا الاهتمام أكبر عند الشيخ ﵀ عند استقرائك لمؤلفاته التي اعتنت بأصول الإيمان والاعتقاد، والتي بحمد الله بها طلبة العلم من مختلف الأقطار.
يرى الشيخ ﵀ أن العناية بتعريف الناس بخالقهم ﷿ من أعظم الغايات، بل هي الأساس الذي قامت عليه دعوات المرسلين، وعليه كانت أعظم النصوص القرآنية والنبوية هي التي تتحدث عن الله رب العالمين، وكانت أعظم النعم أن الله هدانا إليه وعرَّفنا به عليه، فعرَّفناه بنور وحيه، وهذا معنى قول من قال من أهل العلم: "عرفت ربي بربي، لولا ربي ما عرفت ربي"، أي أن الله عرَّفنا بنفسه من خلال حديثه عن نفسه في كتابه، ولولا هذا الوحي ما رعفنا الله ﷾.
لقد انتهج الشيخ ﵀ طريقة واضحة ومرسومة في جميع مؤلفاته، فكان يدور مع القرآن والسنة حيثما دارا. وكان يقدمهما على سائر أقوال البشر، ويمكنك أن ترى هذا المنهج جلَّيًّا في بيانه لمعاني الإيمان بالله والتعريف به. وفي
1 / 6
هذا السياق يأتي هذا المصنف الذي يهدف من خلال الشيخ ﵀ إلى عرض النصوص القرآنية التي تحدث الله بها عن نفسه، ومن ثم بيان معاني هذه النصوص تفسيرًا وشرحًا، وبيان كيف عرَّفنا الله بنفسه من خلال هذه النصوص، كل ذلك بأسلوب مبسط وميسر لا تعقيد فيه، وهو ذات الأسلوب الذي تعرف به الرعيل الأول من الصحابة على الله ﷿ فمجدوه وحمدوه وقدسوه من خلال حديث الله عن نفسه، فأنعم وأكرم به من حديث عن "ملكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه ومردها إليه، مستويًا على سرير ملكه، لا تخفي عليها خافية في أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده. . يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق. . . ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجلَّيلها، وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه" (الفوائد: ص٣٦).
رحمك الله يا والدنا الحبيب، لقد أحببت القرآن فأسأل الله أن يكون شفيعك يوم القيامة، ونصرت السنة فأسأله أن تحشر مع الحبيب المصطفى. لقد تركت من وراءك وأمامك علمًا نافعًا، سيظل ينتفع به إلى أمد بعيد تلاميذ من الدعاة والعلماء يدعون لك، فرحمة الله عليك رحمة واسعة، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، وفسح لك في قبرك مد البصر، وملأه عليك خيرًا ونورًا، وتقبل الله علمك وعملك.
د. أسامة عمر الأشقر
1 / 7
الموضع القرآني [١]
أولًا: تقديم
هذه السورة القصيرة العظيمة أعظم ما نزل من السماء في جميع الكتب السماوية، وقد عرَّفنا ربُّنا فيها بنفسه أجلَّ تعريف، فهو رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وهو المعبود الذي يستحق أن يعبد وحده دون غيره.
ثانيًا: الآيات التي يحدَّثنا فيها ربُّنا عن نفسه
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ١ - ٧].
ثالثًا: تفسير مفردات هذا الموضع
الحمد لله: الحمد الثناء التام الكامل على رب العزَّة.
رب العالمين: الرب الخالق المدبر المصرف.
1 / 9
العالمون: العالمون جمع عالم، والعالم كل مخلوق دون الله تعالى.
الرحمن الرحيم: اسمان دقيقان دالان على الرحمة، وهما صفتان من صفات الله تعالى.
مالك يوم الدين: يوم الجزاء والحساب، وهو يوم القيامة.
إياك نعبد، أي: لا نعبد إلا أنت، والعبادة ما أمر الله عباده أن يخصوه بها من الأقوال والأفعال التي لا يجوز صرفها لغيره.
الطراط المستقيم: دين الإسلام الذي لا يقبل رب العزَّة دينًا سواه.
رابعًا: شرح هذا الموضع
حمد الله تعالى نفسه في أول هذه السورة الكريمة، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ثم عرف نفسه ﵎ بصفتين من صفاته العظيمة هما: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وهما صفتان دالتان على اتصافه بالرحمة، والرحمة صفة محببة للعباد، مطلوبة عندهم.
وعرَّفنا ربُّنا ﷿ أنه ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ وهو يوم الجزاء والحساب، والله مالك الآخرة والدنيا، ولكن ملكه يظهر في ذلك اليوم ظهورًا ليس به خفاء، فيأتي العباد في ذلك اليوم حفاة غراة غزلًا، ولا يكون في ذلك اليوم مال ولا متاع، فيظهر ملكه ﵎ في ذلك اليوم ظهورًا ليس به خفاء.
1 / 10
وعرَّفنا ربُّنا ﵎ أنه هو وحده المعبود المستعان الذي لا يستحق أن يعبد معه أحد سواه، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
وأعلمنا ربُّنا في بقية السورة أنه الذي يطلب منه الهدى إلى الصراط المستقيم الذي هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله تعالى من أحد دينًا سواه.
خامسًا: كيف عرَّفنا ربُّنا على نفسه في هذه الآيات
عرَّفنا ربُّنا ﵎ على نفسه في هذه الآيات بما يأتي:
١ - عرَّفنا ربُّنا ﵎ أنه رحمن رحيم، وهما صفتان عظيمتان حبيبتان للمؤمنين ولعباد الله الصالحين.
٢ - وعرَّفنا أنه مالك يوم الدين، وهو اليوم الذي يبعث فيه العباد، ويحاسبهم عما قدموه فيا لدنيا لآخرتهم من خير أو شر.
٣ - وعرَّفنا سبحانه أنه المعبود الذي لا يستحق العبادة أخد غيره، فمن عبد غيره فقد أشرك.
٤ - وعرَّفنا جلَّ وعلا أنه وحده يهدي إلى الصراط المستقيم، أي: دين الله الذي لا يقبل رب العزَّة من أحد دينا سواه.
1 / 11
الموضع القرآني [٢]
الله تعالى خالقنا وخالق من قبلنا
أولًا: تقديم
قسم الله ﵎ الناس جميعا تجاه القرآن الكريم ومنزله رب العالمين إلى ثلاثة أقسام في الآيات الواردة في أوائل سورة البقرة، السابقة لهذه الآيات التي ستتحدث عنها: المؤمنين، والكافرين، والمنافقين.
ووصف الله كل فريق من الفرق الثلاث بالصفات التي تظهره وتحدده، وحكم على الفريق الأول بأنه على هدى من ربهم وأنهم هم المهتدون، وحكم على الفريقين بأنهم كافرون خاسرون.
ثم دعا الله - تعالى - الناس في آيات هذا النص إلى أن يكونوا مع الفريق الأول، ويحققون ذلك بعبادة الله وحده، وعرفهم سبحانه بأنه وحده الذي يستحق أن يعبد دون غيره، وعرَّفنا لم استحق ذلك سبحانه.
1 / 12
ثانيًا: الآيات التي عرَّفنا فيه بنفسه في سورة البقرة
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢].
ثالثًا: تفسير المفردات في هذه الآيات
اعبدوا ربكم: العباد الخضوع لله بالطاعة والتذلل له بالاستكانة.
ربكم: الرب الخالق المدبر المصرف.
الذين من قبلكم: كل البشر الذين خلقهم ربُّنا من قبلنا.
الأرض فراشًا: جعل الله الأرض ممهدة موطأة على النحو الذي نشاهده.
والسماء بناء: سميت السماء سماء لعلوها على الأرض.
رزقًا لكم: ما وهبنا إياه ربُّنا مما تنبته الأرض.
تتقون، أي: تجعلون بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل ما يأمركم به، وترك ما ينهاكم عنه.
أندادًا: الأنداد الأصنام والآلهة التي تعبد مع الله.
رابعًا: شرح هذه الآيات
نادى الله تعالى الناس جميعًا قائلًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ ثم أمرهم بعبداته وحده لا شريك له ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ فهو المستحق للعبادة دون غيره، ثم عرفهم جلَّ وعلا بالأسباب التي استحق بها العبادة دون سواه.
1 / 13
فالأول: أنه سبحانه الخالق لنا ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾، وكان خلق الله لنا بإنشائنا من العد وإظهارنا إلى الوجود، وكان ذلك مرتين: الأول عندما خلق أبانا آدم من تراب، خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، والثانية: عندما خلق ذريته من ماء مهين.
والثاني: أنه خلق آباءنا من قبلنا، فالله خلق الناس جميعًا من أصل واحد، لا فرق في ذلك بينهم.
والثالث: أنه ﷾ جعل لنا الأرض لنعيش فيها، ونتخذها معبدًا لله رب العالمين، وقد جعلها شاسعة واسعة مترامية الأطراف، وبسطها لنا كما يبسط الفراش، فجعل منها السهول والجبال والوديان، وجعل منها البحار والأنهار واليابسة، وبنى فوقها السموات العلى التي جعلها على الأرض كالقباب العظيمة التي لا يقدر قدرها إلا الله تعالى.
والرابع: عرَّفنا ربُّنا سبحانه أنه هو وحده الذي أنزل الماء من السماء وجعله عذبًا زلالًا، فأخرج بهذا الماء العذب الطيب ثمرات الأرض التي نأكل منها، وتأكل منها دوابنا وطيورنا، وجعل الله تعالى ما أخرجه لنا من ثمرات الأرض رزقًا لنا ولأنعامنا.
وكما عقب الله بالأمر بعبادته في الآية الأولى، وهو أعظم مأمور، ثنى بالنهى عن عبادة غيره في الآية الثانية، وهو أعظم منهي عنه.
1 / 14
خامسًا: كيف عرَّفنا ربُّنا بنفسه في هذه الآيات
عرَّفنا الله ﵎ بنفسه في هذه الآيات بما يأتي:
١ - عرَّفنا ربُّنا أنه تعالى وحده خالقنا وخالق الناس جميعًا من قبل.
٢ - وعرَّفنا ﷾ أنه الذي جعل لنا الأرض فراشًا لتصلح حياتنا فوقها، ولا تضيق بنا أرضها، وبنى السموات السبع فوق الأرض كالقباب العظيمات العاليات.
٣ - وعرَّفنا ربُّنا أنه سبحانه هو الذي أنزل من السحب المعصرات المطر من السماء، فأحيا لنا به الأرض، وأخرجت الأرض نباتها، وجادت بثمارها، وجعل الله تعالى فيما تنبته الأرض رزقًا لنا، يقينًا به في حياتنا فوق هذه الأرض.
٤ - هذا الإله العظيم الكريم الذي جعل ذلك كله لنا هو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وقبيح بنا أن ننصرف عن عبادته إلى عبادة من لا يستحق أن يعبد من المخلوقات المخلوقة المربوبة.
1 / 15
الموضع القرآني [٣]
تعجيبُ الله من الكفار الذين يكفرون بالله
أولًا: تقديم
أنكر الله - تعالى - على المشركين كفرهم بربهم العظيم، والدلائل الدالى على وجوب الإيمان به قائمة عليهم في أنفسهم وفي الكون من حولهم، والدليل القائم عليهم من أنفسهم أنهم كانوا أموانا عدما غير موجودين، فأحياهم الله، ثم يميتهم في الدنيا، ثم يعيدهم إلى الحياة في يوم القيامة.
والدليل الذي يوجب الإيمان به تعالى هو أنه ﷾ خلق لنا الأرض جميعًا لتكون معاشًا لنا نحن البشر، ثم قصد بعد ذلك إلى السماء، فخلقهن سبع سموات، وهو بكل شيء عليم.
ثانيًا: الآيات التي عرَّفنا الله بنفسه في سورة البقرة
﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨ - ٢٩].
1 / 16
ثالثًا: تفسير مفردات هذه الآيات
كيف تكفرون: الكفر التكذيب بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، أو بواحد من ذلك.
كنتم أمواتًا: أي: عدمًا لا وجود لكم.
فأحياكم، أي: خلقكم ونفخ فيكم الأرواح.
ثم يميتكم ثم يحييكم، أي: يميتكم في الدنيا، ثم يحييكم في يوم القيامة.
ثم إليه ترجعون، أي: في يوم القيامة.
استوى إلى السماء، أي: قصد إليها.
فسواهن، أي: خلقهن.
رابعًا: شرح الآيات التي عرَّفنا الله فيها بنفسه
وجه الله - تعالى - السؤال إلى الكفار المشركين معجبًا من حالهم في كفرهم بالله رب العالمين مع قيام الدلائل الدالة على وجوب الإيمان به، فالله - تعالى - خلق هؤلاء الكفار كما خلق المؤمنين وكانوا أمواتًا، أي: عدمًا لا وجود لهم، فجعلهم أحياء عقلاء يتحركون ويأتون ويتصرفون ويدبِّرون ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾.
ثم بعد أن تنقضي حياتهم يميتهم، وكل الناس إلى ذهاب، لا يخلد في هذه الدنيا أحد من بني آدم ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾، وبعد أن تقوم الساعة، ينفخ في الصور
1 / 17
مرة أخرى، فيقوم الناس لرب العالمين أحساء، ثم يرجعون إلى الله ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
هذا فعل الله تعالى بعباده في إماتتهم وإحيائهم وإعادتهم إليه، نعرفه به، ويجعلنا نؤمن به.
وعرَّفنا ﷾ أنه هو الذي خلق لنا الأرض بسهولها وجبالها وودياتها وصحاريها وبحارها، خلقها لنا، لنعيش فوقها، وننعم بما فيها من ثمار وعيون وأنهار وأمطار، ومعادن وحيوان، فالله خلق لنا ذلك كله ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾.
وعرَّفنا ربُّنا سبحانه أنه بعد أن خلق لنا الأرض كلها استوى إلى السماء، أي: قصدها، فسواهن سبع سموات، أي: خلقهن سبع سموات، وجعلهن كالقباب العظيمة فوق اللأرض، وهو سبحاته بكل شيء عليم ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
خامسًا: كيف عرف ربُّنا ﵎ بنفسه في هذه الآيات
عرَّفنا ربُّنا ﷿ بنفسه في آيات هذا المقطع ببيان ما يأتي:
١ - عرَّفنا ربُّنا ﷿ أنه - سبحانه - هو الذي أحيانا في هذه الدنيا بعد أن كنا عدمًا ليس لنا وجود.
٢ - ثم إن الله بعد حياتنا يميتنا، ثم يعيدنا إلى الحياة مرة أخرى في يوم الدين، ويحاسبنا على أعمالنا.
1 / 18
٣ - وعرَّفنا ربُّنا ﵎ أنه خلق لنا جميع ما في هذه الأرض من خيراتٍ، لتقوم بها حياتنا، وهذه الخيرات كثيرة طيبة.
٤ - وعرَّفنا ربُّنا ﷿ أنه بعد أن خلق لنا ما في الأرض جميعًا قد إلى السماء، فسواهن سبع سموات، أي: خلقهن.
1 / 19
الموضع القرآني [٤]
وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه
الله تعالى واحد في ذاته، واحد في أسمائه وصفاته، واحد في أفعاله، وقد شوه البشر وحدانية الله عندما زعموا أن الله اتخذ ولدًا، وقد حكى الله تعالى هذه الفرية التي افتراها الناس عليه وردًّ عليها، فقال ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٦ - ١١٧].
زعم كثير من الناس في القديم والحديث أن الله اتخذ ولدًا، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾ [البقرة: ١١٦].
ومن هؤلاء اليهود الذين قالوا: عزَّيزٌ ابنٌ الله، والنصارى الذين قالوا المسيح ابن الله، ومشركو العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله.
1 / 20
وقد نزَّه الباري ﷿ نفسه عن هذه النقيصة الشنيعة، فقال ﴿سُبْحَانَهُ﴾ والتسبيح: التنزيه لله عن كل النقائص والعيوب، وقد ورد في الحديث الصحيح أن نسبة الولد إلى الله مسبة للباري ﵎، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ﵄، عن النبي ﷺ قال: «قال الله: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، فأمأ تكذيبه إياي، فزعم أني لا أقدر أن أعبده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا» [البخاري: ٤٤٨٢].
وقد أخبرنا ربُّنا ﵎ بعظم جريمة الذين ادعوا هذه الدعوى فقال: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا *
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: ٨٨ - ٩١]، وجاء في الحديث عن أبي موسى ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «ليس أحد، أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدًا، وإنه ليعافيهم ويرزقهم» [البخاري: ٦٠٩٩. ومسلم: ٢٨٠٤. واللفظ للبخاري].
رد الله ﵎ على هذا الزعم الكاذب من الأمم السابقة والمعاصرة، قائلًا: ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦].
أخبرنا ربُّنا ﷿ في رده على من افترى هذه الفرية أنه سبحانه السيد العظيم الذي خلق السموات والأرض وما فيها وما بينها، وهما ملكة يصرفهما كيف يشاء، ومن جملة ما فيهما العزَّيز وعيسى ابن مريم والملائكة وغيرهم مما نسبه الكفار إلى الله، وكل السموات والأرض وما فيها قانت لله،
1 / 21
أي: طائع خاضع لله ﷿، كما قال تعالى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٦].
إن نسبة الولد إلى الله تنافي وحدانية الله ﵎، فالله واحد في ذاته، وواحد في صفاته وأسمائه، ليس له مثيل، وليس له شبية، ولا نظير، ودعوى أن الله اتخذ ولدًا، تعني أن له صاحبة مثله، ولو كان الله اتخذ ولدًا، لكان الولد جزءًا من أبيه، أي: لأصبح إلهًا معبودًا، وكل ذلك كذب وباطل من القول، وقد أنزل الله سورة عظيمة قررت الوحدانية والصمدية لله، ونفت عنه أن يكون له والد أو ولد، كما نفت عنه أن يكون له نظير أو مثيل ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١ - ٤].
إن هذه الدعوى التي يدعيها الظالمون دعوى هزيلة، تجعل المخلوق المربوب المألوه جزءًا من الخالق العظيم، وسيظهر لهؤلاء كذبهم يوم الدين عندما يسوق الله العباد جميعًا للحساب ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٩٣ - ٩٥]، ومما يدلُّ على ذكب من ادَّعى هذه الدعوى قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد: ١٥].
وأخبرنا ربُّنا ﷿ في رده على من ادعى هذه الفرية العظيمة أنه ﷾: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
1 / 22
فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]. وقال ربُّنا ﷿ في سورة الأنعام: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٠١].
والمراد بـ (بديع) في قوله: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧] أي: مكونهما على غير مثالٍ سابق، ومن جملة ما كونه وأبدعه ما جعلوه - كذبًا وزورًا - ابنًا لله تعالى، مثل العزَّيز والمسيح والملائكة.
وأخبرنا ﵎ أن هؤلاء الذين نسبوهم إلى القهار الجبار خلقوا كما خلق غيرهم، ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]، فالله إذا أراد إيجاد شيء فإنه يقول له كلمة واحدة، وهي (كن) فيكون كما يريده الله رب العالمين.
فالله لا يعجزه شيء، ولا يستعصى عليه شيء، وكل شيء أمره الله أن يكون، فإنه يكون كلمح البصر ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] وقال: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠] وقال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠]، وقال مبينًا كيف خلق الله عيسى وآدم: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩].
1 / 23
وردَّ الله تعالى على الذين زعموا كاذبين أن الله اتخذ ولدًا في آية سورة الأنعام أنه بديع السموات والأرض، وكيف يكون له ولد، ولم يكن له صاحبة، فوجود الولد يلزم فيه أن تكون هناك زوجة، وبين الله أنه خالق كل شيء، ومن جملة ذلك ما ادعوه أن له ولدًا، وهو بكل شيء عليم، وهو يعلم سبحانه أنه ليس له ولد.
1 / 24