अल्लाह काव्य इंसान
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
शैलियों
هذه مسألة لا يمكن البرهنة عليها بشكل قاطع، ولكن الشواهد الآركيولوجية التي تحصلت لدينا من مناطق شتى من العالم ترجحها. وأنا ما زلت عند رأيي مع بعض التعديلات. إن أكثر ما يؤيد هذه النظرية هو أننا كلما هبطنا في الزمن عن تاريخ انطلاق الثورة النيوليتية في سورية وجدنا أن هذه الثورة تصل إلى مناطق أبعد عن مركز انطلاقها؛ فباتجاه الشمال اجتازت الأناضول نحو البحر الأسود وقزوين، وباتجاه الغرب وصلت إلى شبه جزيرة البلقان وبعض مناطق أوروبا الشرقية القريبة منذ مطلع الألف السادس قبل الميلاد، ولكنها لم تكتسب بقية مناطق أوروبا قبل عام 4000ق.م. ونحو الشرق وصلت إلى إيران في الألف السادس قبل الميلاد، وإلى الهند ثم إلى الصين خلال الألف الخامس قبل الميلاد. أما في العالم الجديد فيبدو أن الحياة الزراعية قد مرت بفترة تجارب ابتدائية قبل أن تتوطد وتغدو نمطا في الحياة نحو أواسط الألف الثالث قبل الميلاد.
هذا عن الثورة النيوليتية. أما عن الثورة المدينية فإني أعتقد الآن أنه لم يكن من الضروري لها أن تنتقل من بؤرة واحدة؛ لأن القرية الزراعية عندما تتأسس فإنها تحتوي في تركيبها على بذرة المدينة، وطريق التحول من القرية إلى شبه مدينة ثم إلى مدينة هو طريق مفتوح، وهو مؤكد حتى من دون مؤثرات خارجية. ومع أنه لا يمكن إنكار أثر البؤرة المدينية الأولى على المناطق القريبة منها، إلا أنني أعتقد بأن المناطق البعيدة قد طورت نظامها المديني بشكل مستقل، لا سيما الصين التي كانت أول بلد متمدن في الشرق الأقصى في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد، وهذا ما يجعل منها بؤرة أخرى لحضارة المدينة التي انتقلت منها إلى بقية أنحاء الشرق الأقصى. (س):
هنالك فكرة أخرى سقتها في حديثك عن البؤرة الحضارية الأولى، حيث قلت بأن تلك البؤرة التي قدمت الأسس المادية التي قامت عليها الثورة الزراعية، كانت في الوقت نفسه الرقعة التي تشكلت فيها تصورات دينية مرتبطة بالاقتصاد الزراعي، وأسطورة أولى قلت إنها انتقلت مع الثقافة الزراعية إلى كل مكان وصلت إليه. هل ما زلت عند رأيك في ذلك؟ (ج):
كلا، لقد قلت منذ قليل إن العقل الإنساني يعمل وفق ميكانيكية واحدة؛ وبالتالي فمن الممكن لأسطورة واحدة أن تنشأ في أمكنة متباعدة، وربما منقطعة عن بعضها، وأعطيت لفعالية اللاشعور الجمعي دورا في هذه العملية. وفيما يتعلق بالتصورات الدينية والأسطورية الزراعية، فإن كل ثقافة زراعية يمكن أن تطور تصوراتها وأساطيرها الزراعية الخاصة دون الحاجة إلى مؤثر خارجي. الهم الأساسي للمزارع هو المطر وخصب الأرض ودورة الطبيعة، وتصوراته الدينية تكاد أن تكون محصورة في هذه المسائل دون غيرها؛ ولذلك ترى أن الفلاحين عبر تاريخ الحضارة لم يكونوا يأبهون كثيرا للآلهة البعيدة التي كانت تقيم في السماء ولا لمجمع آلهة المدن، بقدر ما كانوا يأبهون للقوى الفاعلة في الطبيعة، والتي من شأنها ضمان محاصيلهم، ودفع غائلة الجوع عنهم؛ ولذلك فقد تأخر دخول الشرائح الاجتماعية الفلاحية في أديان التوحيد عن سكان المدن، وعندما دخلوا حولوا آلهة الخصب القديمة إلى قديسين في المسيحية، وإلى أولياء في الإسلام، وجعلوهم شفعاء خصب. ومن هؤلاء القديس جورج أو جاورجيوس كما يدعى في اللغة اليونانية القديمة ومعناه الفلاح، ويلقب في أوروبا بجورج الأخضر؛ حيث يحتفلون بيومه في الثالث والعشرين من شهر نيسان/أبريل، وهو التاريخ نفسه تقريبا الذي كانت تقام فيه أعياد الخصب القديمة، وفي هذا اليوم كانوا يمارسون طقوسا بهيجة معينة اعتقدوا أنها تكثر محاصيلهم وتباركها. وفي بلاد الشام يدعى القديس جورج مارجاورجيوس، وتصوره الأيقونات الدينية على هيئة فارس يصارع تنينا خرافيا، وهو مشهد مألوف في الميثولوجيا السورية القديمة؛ حيث نجد الإله الزراعي بعل يقتل الحية الجبارة ذات الرءوس السبعة.
وقد انتقلت هذه الشخصية إلى المعتقدات الشعبية الإسلامية تحت اسم الخضر؛ أي الرجل الأخضر، وهو نبي حي محجوب عن الأنظار إلى يوم القيامة، ولكنه يظهر في بعض الأحيان لكي يمد يد العون للبشر، وفي المكان الذي يظهر فيه يبنى له مزار يؤمه الفلاحون من أجل الحصول على البركة والشفاء، ويصوره القصص الشعبي وروايات الإخباريين جالسا على طنفسة خضراء فوق سطح الماء متشحا بثوب أخضر، فإذا مشى نبت العشب تحت قدميه. وفي فلسطين كان الفلاحون إلى عهد قريب ينادونه إذا تأخر المطر قائلين: «يا سيدي خضر الأخضر اسق الزرع الأخضر، يا سيدي خضر إلياس اسق الزرع اليباس.» وهنالك شخصية ميثولوجية زراعية أخرى اختلطت بالخضر، وهي شخصية النبي التوراتي إلياس الذي أنزل المطر بعد احتباسه ثلاث سنوات، وبذلك دخل في زمرة القديسين الزراعيين. وبما أنه لم يمت بل رفعه الله إليه على ظهر مركبة نارية هبطت من السماء، فقد صار شبيها بالخضر النبي الحي الذي لا يموت. وهناك عادة متبعة في جميع أنحاء بلاد الشام، وهي غرس نبات دائم الخضرة طيب الرائحة يدعى «الآس» فوق قبور الموتى، واسم هذا النبات مشتق من اسم إلياس. ومن الجدير بالذكر أن شخصيات هؤلاء القديسين الزراعيين الثلاثة قد تمازجت في خيال الفلاحين مسيحيين ومسلمين؛ ولذلك فقد نجد المسيحيين يزورون مقاما للخضر على أنه مارجاورجيوس، ومسلمين يزورون مقاما لمارجاورجيوس على أنه الخضر.
المحور الثالث
الدين والأسطورة
(س):
فيما مضى من حديثك كنت تذكر أحيانا تعبير «أسطورة» أو «أساطير» وأحيانا ميثولوجيا، ما الفرق بين التعبيرين؟ (ج):
هما شيء واحد، ولكن تعبير ميثولوجيا له دلالتان؛ فهو من ناحية أولى يدل على مجمل أساطير ثقافة ما، كأن نقول الميثولوجيا المصرية أو الميثولوجيا اليونانية. ومن ناحية ثانية يدل على العلم الخاص بدراسة الأساطير. وكما نلاحظ من صيغته الإنكليزية
अज्ञात पृष्ठ