الكشف المبدي
الكشف المبدي
अन्वेषक
رسالتا ماجستير للمحققَيْن
प्रकाशक
دار الفضيلة
संस्करण संख्या
الأولى ١٤٢٢ هـ
प्रकाशन वर्ष
٢٠٠٢ م
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
ـ[الكَشْف المُبْدِي لتمويه أبي الحسن السُّبكيّ، تكملة «الصّارم المنكي»]ـ
المؤلف: محمد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقيه (المتوفى: ١٣٥٥هـ) من علماء جدة
دراسة وتحقيق:
د/ صالح بن علي المحسن - أستاذ العقيدة المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
د/ أبو بكر بن سالم شهال - دكتوراة في العقيدة من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
الناشر: دار الفضيلة للنشر والتوزيع - الرياض (سلسلة الرسائل الجامعية [١٧])
الطبعة: الأولى ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
أصل الكتاب: رسالة من المحققَيْن لنيل درجة الماجستير
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
अज्ञात पृष्ठ
المبحث الأول: اسمه ونسبه ومولده ونشأته
اسمه:
هو محمد بن حسين بن سليمان بن إبراهيم الفقيه. وقد يُقال له: الفقي والمشهور بالفقيه، وأسرته تعرف الآن بعائلة الفقيه.
مولده:
ولد الشيخ محمد بن حسين الفقيه سنة ١٣٠٤ هـ في دمنهور بمصر، وقد نصَّ على سنة ولادته الشيخ محمد نصيف.
1 / 19
نشأته:
نشأ المؤلف- ﵀ بدمنهور، حيث وُلِدَ بها. مات أبوه وهو صغير جدًا فتربى عند عمه الشيخ إبراهيم بن سليمان بن إبراهيم، وكان عمه هذا عالمًا، فربَّاه ونشأه على العلم وغرس فيه حب التعلم، لما لمسَ فيه من النبوغ وسرعة التحصيل فَحفظه القرآن وشيئًا من العلوم، ثم سافر للَحج وطاب له الجلوس في جُدة، ونزل على بيت الشريف مهنا ثم أخذ يتلقى العلم من علمائها.
1 / 20
المبحث الثاني: صفاته
لقد كان المؤلف- ﵀ كفيف البصر منذ ولادته، ولكنَّ الله ﷾ رزقه وعوَّضه عن نعمة البصر بنعمة البصيرة، والذكاء، وقوة الحافظة. ومِمَّا يدل لهذا ما حدَّثني به ابنه حيث قال: (كان أبي يعرف مواضع الكتب وأماكنها من مكتبته) . وما قاله أيضاَ تلميذه حمزة سعداوي: (كان شيخنا- ﵀ الشيخ محمد أُوتي قوة حافظة عجيبة، وسرعة تذكُر، فكان إذا سمع الصوت مرة واحدة لا ينساه وربما يعرف القادم من خلال مشيه وخطواته) . ويدلُّ لهذا ما ذكره- ﵀ في كتابه هذا من الكتب الكثيرة، وسرد أسمائها وأسماء مؤلفيها من حفظه.
وكان- ﵀ ربعة من الرجال، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، كان نحيفاَ، ويمتاز بهيئته في المشي. فإذا مشى مشى ممشوق القائمة شامخاَ برأسه، ولم يكن ﵀ كثير شعر اللحية، بل كان خفيف العارضين، وربما إذا مشى مسك عصى بيده، وقد يأتي أحياناَ ويكون معه قائدٌ يقوده من بيته إلى مسجده. ولباسه لباس العلماء في ذلك الوقت- الجبة والعمامة-. كان صوته أقرب إلى الخفض، إلا أنه كان مسموعًا هادئاَ يبعث سماعه على الطمأنينة والراحة.
ولم يكن- ﵀ ممن يكثر الاختلاط بالناس، إلا بقدر الحاجة من نصح وإرشاد.
كان كثير الصوم والصلاة، دائم التضرع والابتهال إلى الله. حدثتني ابنته تقول:
(كان يقضي غالب وقته في مكتبته مع بعض تلاميذه، فإذا جاء الليل شغله بالذكر والقرآن والصلاة ويحرص حرصا شديدا على صيام أيام التطوع) .
1 / 21
أخلاقه:
عاش الشيخ- ﵀ عيشة الفقراء، فأثر ذلك في أخلاقه وطِبَاعِه، كان متواضعًا جدًا لا تُعْجبه حياة الترف والثراء، ينهى دائمًا عن الإكثار من الدنيا ومتاعها، وغالبًا ما يوجه طلابه وتلاميذه إلى التقلل من الدنيا.
وقد عُرف عن الزهد فيما في أيدي الناس مع حاجته- ﵀.
ومن أخلاقه: تمتعه بقوة الصبر والتحمل، وشدة التواضع، ومن أمثلة تواضعه وصبره أن يقف للمرأة تستفتيه وتسأله، ويقف للعامة من الناس- وربما أطال الوقوف- ﵀ في شدة الحر، وكان يسمع بعض الكلام ممن يُنْكِرُ عليهم من الصوفية، لا يزيد على قول: اللهم اهدهم.
ومن تواضعه أنه كان يرد السلام على كل من سلم عليه بوجه بشوش طَلْق، فلذلك أحبه الناس مع إنكاره عليهم؛ لأنه كان يُنكِر بحكمة ولين، فأصبح مرجع الناس في حل مشاكلهم وفتاويهم.
كان- ﵀ ملازماَ للتقوى، لا يُحب الكلام في الآخرين والقدح فيهم ويترحم على الميتين ويلتمس الأعذار لمن أخطأ عليه.
1 / 22
المبحث الثالث: أنموذجه اليومي
كان الشيخ- ﵀ حريصاَ على طلب العلم، شغوفًا لسماع كلام أهل العلم، كما وصفه بهذا الشيخ محمد نصيف، فكان- ﵀ مُقَسماَ يومه للاستفادة والتحصيل، فيبدأ يومه بصلاة الفجر، يصلي غالبًا في المسجد الملاصق لبيته، وربما صلى في مسجد عكاش، ثم يجلس بعد الصلاة يتلو القرآن ويسبح الله- ﷿ حتى شروق الشمس. وبعد ذلك يعود إلى بيته. وأحيانًا يذهب إلى بيت الشيخ إبراهيم الصنيع، فيجلس مع بعض أصدقائه، ثم يذهب إلى بيته
ويجلس في مكتبته، ويأتيه بعض تلاميذه يقرأون عليه، ويستفيدون منه، وكثيرًا ما يذهب إلى مكتبة الشيخ محمد نصيف، ويجلس حتى الظهر فيعود ويصلي في مسجد عكاش، وقد يصلي في مسجد المعمار، حيث كان قريبًا من بيت الشيخ نصيف، ثم يذهب إلى بيته ويرتاح قليلًا ويصلي صلاة العصر فيعود إلى مكتبته، وقبل المغرب يذهب إلى مسجد عكاش حيث كان إمامًا له في المغرب والعشاء والجمعة فقط، فيجلس- ﵀ من بعد صلاة المغرب للدرس والإفتاء، وبعد صلاة العشاء يعود إلى بيته ... وهكذا- ﵀ كان يومه عامرًا بذكرِ الله- ﷿ وتوجيه الناس للخير.
1 / 23
المبحث الرابع: أسرته ومسكنه
أسرته:
يرجع المؤلف- ﵀ إلى عائلة الفقيه، وهي مشهورة بهذا الاسم، وقد يُقال له أيضًا: الفقي، ومعناه: المعلم: فلكونه معلّمَا وفقيهاَ اشْتُهِرَ بالفقيه. تزوج المؤلف- ﵀ مرات كثيرة، ولكنه لم يرزق أولادا إلا من زوجتين فقط، وقد مات عنهما.
مسكنه:
عاش الشيخ- ﵀ في مدينة جُدة، وكانت جُدة في ذلك الوقت صغيرة، ويقع مسكنه الآن في وسط مدينة جُدة، وتسمى الآن جُدة القديمة في حارة تسمى حارة المظلوم.
يتكون بيته من ثلاث طوابق، وكانت المكتبة تشغل الطابق الأوسط وجزءًا من الأول، وقد ذهبتُ لهذا البيت وشاهدته، ولا يزال بعض أبنائه وبناته يعيشون فيه.
1 / 24
المبحث الخامس: حياته العلمية
نستطيع أن نقسم حياة المؤلف- ﵀ العلمية إلى مرحلتين. وتشمل المرحلة الأولى: من حين نشأته وقدومه إلى جدة واتصاله بعلمائها حتى سفره إلى دمشق. والمرحلة الثانية: انتقاله من جدة إلى دمشق. وهذه المرحلة التي استفاد منها حيث اتصل بعالم الشام الشيخ جمال الدين القاسمي.
المرحلة الأولى: فكما تقدَّم أن الشيخ- ﵀ ولد سنة ١٣٠٤ هـ في مدينة دمنهور بمصر، وجلس بها مدة، وتلقى فيها تعليمه الأوليّ، فحفظ القرآن الكريم بالكتاتيب كغيره من أقرانه، وشيئًا من مبادئ العلوم. ثم عزم على أداء فريضة الحج مع والدته، وكان هذا في حدود سنة ١٣٢٠ هـ. وبعد أن قضى مناسك الحج، جلس في مدينة جدة، وأما أمه فحدثني ابنه حامد إنها توفيت بعد الحج.
اهتم الشيخ- ﵀ في هذه المرحلة بالقرآن الكريم: حفظًا وتفهُّمًا. واتصل بعلماء جدة، ولازم دروس العلماء، واهتم أولًا بتعلم القراءات السبع، ولازم فيها العالم العلاَّمة الشيخ أحمد الزهرة، حيث كان مُلما بالقراءَات السبع. وقد نال الزهرة الشهادة العالمية بها من الأزهر، وتعلَم عليه أيضًا مبادئ النحو، فكان يُقَوِّم ألْسنَة طلابه؛ لأنه كان غيورًا على النحو، فلا يكاد يسمع خطأ حتى يمتلئ بالغضب. وتلقى عليه أيضًا العلوم التي كانت تُدرَس في تلك الفترة من الحديث والتفسير، حيث كان الزهرة يدرس العلوم بمسجد الشافعي، وجَدَ في تعلم القراءات، فتعلم على الشيخ أحمد حامد أبو تِيجْ المدني، فقد كان من كبار القرَّاء. ومع اهتمامه في بداية الطلب بالقرآن والقراءات، اهتم أيضًا بتلقي العلوم الشرعية الأخرى، فقد لازم عالم جدة المشهور في ذلك الوقت الشيخ أحمد ابن الشيخ علي باصبرين، وكان يُدرِّس الفقه على المذاهب الأربعة، واتصل بالعلماء الآخرين.
1 / 25
وكان الشيخ في هذه المرحلة حريصاَ على الطلب، ويرجع هذا لما آتاه الله من حب للعلم. ويظهر حرصه على العلم بما وصفه به نصيف حيث قال: (كان الشيخ محمد لا يفوته درس من دروس العلماء والمشايخ أثناء طلبه للعلم، كان شديد الحرص على ذلك بالغًا فيه الجَهد والغاية، مع أنه كان كفيفَ البصر) . ومما يدلُّ له أيضاَ: اقتصار صاحب كتاب "تراجم علماء جُدة من الحضارمة " على ذكره عندما تكلم عن أبرز طلاب الشيخ باصبرين، فلم يذكر إلا هو والشيخ عبد القادر التلمساني، وهذا مما يدلُّ على أنه كان حريصاَ ملازمًا.
المرحلة الثانية: وتبدأ هذه المرحلة برحلته العلمية إلى دمشق، حيث عالمها الشهير جمال الدين القاسمي.
فبعد أن تلقى المؤلف- ﵀ تعليمه على علماء جدة- كما قلَّمنا- أراد الاستزادة من هذا العلم، فتوجه إلى الشام، وكان هذا في حوالي سنة ١٣٢٥ هـ. اتصل ﵀ بالشيخ جمال الدين، ولازمه مدة امتدت إلى خمس سنوات أو ست سنوات، استفاد فيها فائدة عظيمة ظهرت آثارها في حياته وسلوكه، وفي كتابه أيضا.
فقد أتقن علم الحديث والتمييز بين الصحيح والضعيف. ويدُل لهذا ذكره للأحاديث الكثيرة في كتابه مع الاعتناء بذكر الصحيح منها، حيث لم يذكر في كتابه إلا الصحيح، وقد يذكر الضعيف مع التنبيه على ضعفه.
كما استفاد- ﵀ من شيخه القاسمي: "العقيدة الصحيحة والسلفية والدعوة إليها والرد على المخالفين "، من معتزلة، وأشعرية، وجهمية، وبالغ في الرد على الصوفية، وتحرر من التقليد الأعمى، وحاربه أشد محاربة، وكان يتردد على مكتبة دمشق في ذلك الوقت وكانت عامرة بالكتب، فاستفاد من النظر فيها والأخذ منها.
ثم رجع إلى جُدة- ﵀ وكان هذا في حدود سنة ١٣٣١ هـ أو قبلها بقليل، فانكبَّ على التحصيل والمطالعة في مكتبته العظيمة. وقد استمر في جُدة مرجعًا للناس في العلم والفُتْيَا، ومدرسًا وإمامًا في مسجد عكاش حتى توفَّاه الله.
1 / 26
المبحث السادس: مكانته العلمية وثناء أهل العلم عليه
تعرف مكانة الشخص العلمية بشيوخه ومؤلفاته. فالشيخ- ﵀ تتلمذ على أكابر العلماء في وقته، وقد ذكرنا ما وجدناه منهم، ولا يبعد أن يكون تتلمذ على غيرهم مما لم نجدهم، لا سيما من كانوا في جُدة، ومن أعظم من أخذ عنه: الشيخ جمال الدين القاسمي، كما ذكر هو عنه نفسه. وقد تأثَّر به- ﵀ تأثرًا بالغًا، ففهم هذا الدين كما كان يفهمه الصحابة والتابعون، ومن نظر في كتابه يدرك مدى هذا التأثر. ومما يدلُّ على علمه ومكانته، اقتنائه لهذه الكتب العظيمة. فقد كان الشيخ- ﵀ مُغْرَمًا بشراء الكتب من مصر والهند، حتى كوَّن مكتبة عظيمة في وقت قلَّ فيه رؤية الكتاب، فضلًا عن اقتنائه. فأفاده هذا سعة اطلاع على كلام لعلماء
ومؤلفاتهم، وكسَبَ شخصية علمية قويَّة. ويدلُّ على تمكُنِهِ من العلم، تأليفه لهذا الكتاب العظيم، وقد ألَفَه وهو في سن التاسعة والعشرين من عمره. وحدَّثني ولده أنه كان يحب المناظرة في العلم، فقد كان في جُدة عالم كبير اسمه محمد حسين مطر فكان الشيخ ينتصر عليه دائماَ ويُرجعه إلى المسألة في مكانها من كتب العلماء.
وقد بلغ منزلة علمية أهَلته لتصدر المجالس والفُتْيَا، حتى كان مرجعَ الناسِ في جدة، يسألونه عن أمور الطلاق والحلال والحرام، وكان خطيبًا في مسجد عكاش، أكبر المساجد في ذلك الوقت، وحلقته في هذا المسجد معروفة يحضرها طلاَب العلم والقُضاة، فاستفاد الناس منه ومن مُجالسته.
يقول تلميذه حمزة سعداوي: (انتفع بعلمه خلق كثير، كانت حلقته غاصَة بالناسِ من طلاب العلم ومن العوام، فأحيا الله به قلوبًا ميّتة بعيدة عن منهج الله، فصحَّح
1 / 27
للناس عقائدهم وسلوكهم وأرجعهم للدين الصحيح نقيًا كما كان عليه سلف الأمة) .
ثناء أهل العلم عليه ممن عرفه أو درس عليه:
قال عنه الشيخ نصيف: (واظب الشيخ محمد على دروس العلماء وحرص أشد الحرص على التحصيل، فقلَّمَا يفوته درس مع أنه كان كفيفَ البصر، وانتفع بالمواظبة، وصار عالمًا، واقتنى مكتبة كبيرة، وأصبح يدرس الناس علوم التفسير، والحديث، وانتفع بعلمه خلق كثير) .
وقال عنه تلميذه حمزة سعداوي: (أُوتي الشيخ علْمًا عظيمًا، فلم يكن أحد يوازيه علماَ مع قوة الحفظ واستحضار الآيات والأدلة، لا سَيما وقت الْخُطبة وكان لا يُعْلَى عليه في ذلك الوقت) .
وقال عنه تلميذه محمد باشميل: (كان الشيخ عالمًا كبيرًا، وبالأخص في علم الفقه والحديث. ذهب إلى سوريا لطلب العلم، ثم رجع وقد أُوتي علمًا جما، ولم نسمع من يقول قوله، وإذا أخذ يدرَّس وذكرَ اسم صحابي كأنك حاضر مع الرسول ﷺ، يأتي بكل شيء عن هذا الصحابي: فضائله، وإسلامه) .
وقال عنه الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في كتابه "تاريخ مدينة جُدة ": (كان الشيخٍ محمد حسين حريصًا على طلب العلم جاداَ فيه، واقتنى مكتبة كبيرة، وأصبح عالما يشار إليه بالبنان، ودرس للناس التفسير والحديث، وانتفع بعلمه خلق كثير ووصفه كثير من طلابه وممن كان يحضر دروسه بأوصاف كثيرة) .
1 / 28
المبحث السابع: طريقته في دروسه
كان الشيخ- ﵀ يدرِّس علومًا كثيرة في مسجده- مسجد عَكاش- ومن أهم هذه العلوم: الحديث، والتوحيد، والتفسير، والسيرة، كان يقرأ في صحيح البخاري، ومسلم، وتفسير ابن كثير، والبداية والنهاية، وزاد المعاد ... وغيرها.
وكانت دروسه غالبًا ما تبدأ بعد صلاة المغرب، وطريقته: أن يقرأ أحد التلاميذ في الكتاب، ثم يتولى الشيخ الشرح والبيان، وربما ألقى الأسئلة على الطلاب، وبعد ذلك يتلقى الأسئلة والاستفسارات عن بعض المسائل، وبعد صلاة العشاء يجلس أحيانًا للجواب عن أسئلة الناس وحل مشاكلهم.
وفي رمضان، يكون الدرس بعد صلاة العصر، ويكون غالبًا يتعلق بالأحكام التي تخص رمضان.
1 / 29
المبحث الثامن: شيوخه
مما لا شك فيه أن معرفة شيوخ العالم تدل على مكانته العلمية. وقد أخذ الشيخ عن علماء كانوا بارزين في عصره ومتضلعين في فنونهم. فممن استفاد منه وأخذ عنه:
١- الشيخ جمال الدين أو محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق، من
سلالة الحسن السبط، المعروف بـ "جمال الدين القاسمي " إمام الشام في عصره، علْمًا بالدين، وتضلعًا من فنون الأدب. ولد بدمشق سنة ١٢٨٣ هـ، كان سلفي العقيدة، لا يقول بالتقليد. أفاد الناس في قُرى دمشق، وقد انتدبته الحكومة لإلقاء الدروس العامة في القرى والبلاد السورية أربع سنوات.
رحل إلى مصر، وزار المدينة، انقطع للتعليم والتأليف في بيته، فصنَّف كُتبًا كثيرة، منها: "المطبوع والمخطوط "، من أعظمها: "تفسير القرآن المسمى "محاسن التأويل " في ١٧ مجلدًا. وقد ذكر في مقدمته أنه على عقيدة السلف والإمام أحمد، و"قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث " وهو مطبوع، و"إصلاح المساجد من البدع والعوائد" مطبوع، و"تعطير المشام في مآثر دمشق والشام) مخطوط في أربع مجلدات، وقد تتلمذ عليه الشيخ، وذكر في كتابه فقال: (... وقد سمعت شيخنا الأستاذ محمد جمال الدين القاسمي بدمشق يقول ... فقلت له: يا سيدي قد روى البخاري.
إلخ) . توفي- ﵀ في سنة ١٣٣٢ هـ.
٢- الشيخ أحمد بن محمد الزهرة أو الزهراء الشافعي الدمياطي، ولد بمدينة دمياط حوالي سنة ١٢٨٠ هـ، وطلب العلم بها وتلقى علم القراءات، ونال الشهادة العلمية، ثم رحل في صدر شبابه إلى الشام في زمن الدولة العثمانية، ثم انتقل إلى
1 / 30
الحجاز فأقام مدة بالمدينة، ومنها ارتحل إلى جُدة في عام ١٣٠٧ هـ، واستوطن بها أربعين عاما متوالية درَّس العلوم بمسجد الشافعي بجدة بعد صلاة المغرب من كل ليلة، كما كان يقوم بالتدريس بداره أيضا.
يمتاز بحسن القراءة، وإجادة التلاوة في صوت حسن رخيم، وعنده غيرة على القرآن والنحو فلا يكاد يسمع خطأ حتى يمتلئ بالغضب، على أنه كان مع ذلك لطيف المحضر، طريف المجلس، كان كفيف البصر ضئيل الجسم أقرب إلى القصر ويلبس زي العلماء المصريين، وله تلاميذه يحبونه ويخدمونه؛ لأنه لم يكن له زوجة. كان مُجوِّدًا عالمًا بالقراءات السبع، وله ثروة عظيمة. يملك أعظم ثلاث بيوت في جُدة، ولما مات أوصى بهذه البيوت لمدارس الفلاح بجدة. توفي بالمدينة في شهر رمضان من عام ١٣٦٤ هـ عن عمر يناهز الثمانين.
٣- الشيخ أحمد بن علي أبو صَبْرينِ الحضرمي الشافعي، ولد سنة ١٢٨٠ هـ بحضرموت، ثم أرسله والده الشيخ علي- الذي كان يُعتبر من أبرز علماء جدة- إلى مصر لطلب العلم، وحينما عاد الشيخ أحمد إلى جدة حوالي عام ١٣١٨ هـ اختبره والده، ثم أنابه عنه في بعض دروسه، فأصبح عالم جدة في وقته، وفقيهها المنقطع لتعليم العلم. فتح دروسه في الفقه فكان يُدَرس الفقه على المذاهب الأربعة، واستفاد منه طلاب العلم، ومنهم: الشيخ محمد بن حسين بن إبراهيم الفقيه. وكان الشيخ مولعاَ بالنظم والنثر. في تآليفه حثاَ وترغيباَ للطالبين للعلم والتعليم، ومن الملازمين له:
الشيخ عبد القادر التلمساني ﵀ له عدة كتب، منها: كتاب جمع فيه أعيان
1 / 31
البلاد وأرباب الدولة، ومنها: كتاب "فقه المذاهب الأربعة" لا يزال مخطوطًا، ثم بعد سنين كثيرة نحو عشر سنين أو إحدى عشرة سنة، سافر إلى عدن وكان من عادة طالب العلم أن يصحب كتبه معه، لِمَا لها عنده من المحبَّة والتعلُق والحاجة، لأنها سلوته وعدته فلعبت بها الأيدي في حالة حداثة سن ولديه وصغرهما فذهبت عليهما، أجزل الله- تعالى- أجرهما، ورحم والدهما، وأخلف عليهما ما فقداه من نفيس تآليف والدهما، وكانت وفاته على وجه التقريب سنة ١٣٣٢ هـ، وذكر نصيف أنه توفي سنة ١٣٣٩ هـ.
٤- الشيخ أحمد حامد أبو تِيج المدني المصري من أكابر القراء.
1 / 32
المبحث التاسع: تلاميذه
كان- ﵀ يُدرّس في مسجد عكاش- كما أسلفنا-، وقد أفاد الناس بما نشره من علم، وكانت حلقته مليئة بالناس من سائر الطبقات. ولما كان على المكانة العلمية التي وصفنا، فقد لازمه كثير من طلاب العلم، ومن أبرز هؤلاء:
(١) الشيخ بكر إدريس تكروني، لازمه ملازمة تامة، فهو الذي كان يقرأ عليه في الدرس، ويقرأ عليه في مكتبته، ويكتب له أيضاَ، وكان إدريس عالما وهو مأذون الأنكحة في حياة شيخه، ومن التلاميذ الكبار، تولى الإمامة والخطابة في مسجد عكاش بعد وفاة شيخه، ودرس أيضا في مدارس الفلاح بجدة، ثم في المدرسة السعودية. ثم عاد إلى الفلاح، وتوفي بجدة. وكان الشيخ محمد حسين- ﵀ يثق فيه ثقة تامة؛ لعلمه وفضله، حتى إنه يُخَلِفه في إمامة وخطابة المسجد إذا مرض، وكانت ولادة الشيخ تكروني بجدة حوالي سنة ١٣٢٥ هـ، وتوفي عام ١٤٠٢ هـ تغمده الله برحمته وغفر له.
(٢) الشيخ حمزة سعداوي، ممن درس عليه واستفاد منه. قال عن نفسه: (كنت حريصا كل الحرص على الدروس مهما كان عندي من الصوارف) . وقال: (استفدت منه تصحيح بعض الأمور التي كنَّا نفعلها مثل: بدع الجنائز والجلوس للتعزية وغيرها) . ولد حمزة سنهْ ١٣٣٢ هـ بجدة، ودرَس في مدارس الفلاح بجدة، وتخرج منها عام ١٣٥٠ هـ، ثم واصل التدريس فيها قُرابة ٥٠ سنة. تولى إمامة مسجد عكاش بجدة، لا يزال إلى الآن إماما فيه.
1 / 33
بارك الله في بقية عمره، وأحسن الله لنا وله العمل. إنه جواد كريم.
(٣) الشيخ محمد صالح أبو زناده، ولد في جدة عام ١٣١٤ هـ، وتلقى تعليمه في مكتب صادق، ثم انتدب للعمل في مدينة بومباي، وكان أحد كبار التجار العرب في الهند، ثم عاد إلى جدة وكان تاجرًا يعمل في استيراد الأرزاق كالدخن، وله مشاريع خيرة ونافعة في مدينة جدة.
وكان ممن تتلمذَ على الشيخ محمد حسين وحضر دروسه واستفاد منه، كان ممن يؤمون الناس في مسجد عكاش، توفي أبو زناده بعد صلاة الفجر من صباح يوم ١٧/٣/١٣٨٧ هـ بجدة، ونقل جثمانه إلى مسجد عكاش واشترك في الصلاة عليه وتشييع جثمانه الجموع الكثيرة- ﵀ وأحسن جزاءه-.
(٤) الشيخ محمد بن يوسف بن علي باشميل، ولد في حضرموت سنة ١٣١٧ هـ، ثم قدم إلى جدة وطلب العلم بها، ولازم الشيخ محمد حسين في المسجد وفي البيت أيضًا، فكانوا يقرأون في زاد المعاد، وتفسير ابن كثير ... وغيرها. كان باشميل حريصًا على قراءة الكتب مثل: صحيح البخاري والبداية والنهاية. وقد زُرته في بيته وأفادني كثيرًا عن شيخه. نسأل الله أن يُمتع في بقية عمره، وأن يتوفاه على الإسلام.
1 / 34
المبحث العاشر: مؤلفاته ومكتبته
أولا: مؤلفاته
مع غزارة علم الشيخ وسعة اطلاعه على الكتب العظيمة، فلم نجد له سوى هذا الكتاب، وقد قرأت الكتاب من أوله إلى آخره لعلِّي أجد له مؤلفا فلم أجد، وقد سألت ابنه وسألت تلاميذه وجميع من اتصلت به فكلهم لا يعرفون أن للشيخ مؤلفات. ومع هذا أنا أتوقع أن يكون للشيخ كُتب غير هذا لأن المؤلف- ﵀ لا ينقصه شيء. فالكتب عنده موجودة في مكتبته، وأيضا هو متمكن من التأليف؛ ولأنه قد أنهى كتابه هذا عام ١٣٣٣ هـ، كما نص عليه هو في آخر المخطوط. والمؤلف توفي عام ١٣٥٥ هـ، فهذا يدل على أن في العمر فسحة ومتسعا للتأليف، ولعلنا فيما بعد وبالبحث والسؤال نجد له شيئا.
ثانيا: مكتبته
الشيخ- ﵀ قد أُولعَ بشراء الكتب واقتنائها. وأدلّ دليل على هذا ذكره لهذه الكتب العظيمة في كتابه. وقد حدَّثني ابنه وابنته أن الشيخ كان يقضي جلّ وقته في مكتبته، وكان مسكنه يتكون من ثلاث طوابق، وكانت المكتبة تشغل الطابق الأوسط كله، وشيئا من الطابق الأول. وحدثني تلميذه حمزة سعداوي أنه كان عنده مكتبة كبيرة. وقالت ابنته: كانت الكتب تأتيه من مصر عن طريق أعمامه وأبناء أعمامه أيام الحج، وبعضها عن طريق الشيخ محمد نصيف. وقد ذكر صاحب كتاب "ماضي الحجاز وحاضره " ... قال: (وأول نبأ حقيقي عن مكتبة خاصة وصل إلى علمي يتمثل فيما رواه الشيخ محمد نصيف من أن الشيخ محمد بن حسين بن إبراهيم أحد علماء جدة في أوائل القرن الرابع عشر، كان قد اقتنى مكتبة كبيرة ولا ندري ماذا حدث
لها بعدئذٍ) . وقد سألت أولاد الشيخ عن هذه المكتبة فقالوا: بعدما تُوفي الوالد، كان الوصي علينا بكر إدريس، كان يبيع الكتب وينفق منها، وبعضها ذهب إلى مكتبة الشيخ نصيف، وبعضها لعبت بها الأيدي.
1 / 35
المبحث الحادي عشر: عقيدته وجهوده في نشرها
عقيدة المؤلف- ﵀ هي عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن نظر في كتابه، وجد هذا واضحا. فكان يرد على أهل الكلام من معتزلة وأشاعرة وغيرهم وسفّه قولهم: إنَّ المقدم هو الدليل العقلي. قال- ﵀: (... وقد سمُّوا أنفسهم علماء التوحيد والأصول، وقرروا قانونًا بينهم لا تجوز مخالفته ألبتة، وهو: إذا تعارض دليل سمعي ودليل عقلي جُمع بينهما إن أمكن، فإن تعذر الجمع أول الدليل السمعي ولو بتكلف، فإن تعذَّر التأويل رُدَّ الدليل السمعي إن كان من السنة ولو صحيحا من جهة السند، ويقولون: هذا خبر آحاد، فبسبب هذا القانون أولوا
أسماء الله وصفاته التي ذكرها في كتابه ووصف بها نفسه ووصفه بها رسوله وقالوا: إن اعتقاد ظواهر النصوص كفر صريح، ثم ذكر صفات كثيرة مما يؤولونها مثل: الرحمة، واليد، والنزول، والمجيء، والضحك، والغضب ... وغيرها. ثم قال: فسبحانك هذا بهتان عظيم!. فسبحان من أعمى بصائرهم! وطبع على قلوبهم! فهل يقول مسلم أو كافر إن فروخ الأعاجم أعلم من الرسول ﷺ!. ولعلنا بهذا النقل قد بينا معتقد الشيخ. والكتاب مليء بالرد على هؤلاء وغيرهم من الصوفية والمبتدعة.
بذلَ الشيخ- ﵀ جهودًا في نشر هذه العقيدة وبثها بين طلابه ومستمعيه. قال الشيخ حمزة سعداوي: (إن الشيخ- ﵀ أوقف نفسه على نشر العقيدة السلفية وصحح للناس عقائد، ووجَد عند الناس قابلية لهذه العقيدة. وكان يحذر من أهل البدع بجميع أصنافهم، ومن هؤلاء: الصوفية، فقد كان يُبين للناس أن هؤلاء ضلال
وقال أيضًا: (كان الناس عندهم بدع في زيارة القبور، وفي المآتم، وبعض الناس كان يتمسح بالضريح المنسوب لأمنا حوَّاء. وكان الشيخ- ﵀ ينهاهم عن هذه الأفعال، ويقول لهم: (وقَالَ رَبكمُ ادْعونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ ...) .
1 / 36
ويوجد عند الناس بعض البدع: من التجمع للتعزية وغيرها، فيوضح الشيخ عليه رحمة الله أن هذا لم ترد به السنَّة.
وحدثني تلميذه باشميل أنه كان يحارب ما يحصل من البدع عند القبور، وكان هناك قبر لرجل اسمه أبو سرير.
وكذلك كان الشيخ- ﵀ يدعو إلى الله بالرفق والحكمة، ويذهب إلى أماكن تجمُّع الصوفية- ولا سيما في مسجد يقال له مسجد البدوي-.
وقال باشميل: (كان بعض هؤلاء الصوفية يكرهون الشيخ، ويتكلمون عليه، ويقولون له ولأصحابه. إنهم وهابية) .
وحدثني عبد الرحمن القويز - وهو ممن رأي الشيخ- قال: (كان الناس قبل دخول العهد السعودي يحلفون بالنبي- ﵊ وعندهم بدعة الاحتفال بمولد الرسول ﷺ، فكان الشيخ يُبصِّر الناس بهذه البدع وينهاهم عنها، وكان يكره هذه
الأمور- عليه رحمة الله-) .
وقال أيضًا: (كان هناك صوفية كثيرون، وكانوا يمشون في الأسواق يغنون وهم أجناس وأخلاط من الناس، فكان الشيخ يُنكِرُ على هؤلاء ويبيِّن للناس حقيقتهم وبدعتهم) .
هذه بعضٌ من جهود الشيخ في نشر العقيدة وتوضيحها للناس.
1 / 37