451

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

प्रकाशक

دار القلم

संस्करण

الأولى

प्रकाशन वर्ष

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

प्रकाशक स्थान

بيروت - لبنان

शैलियों

فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤى حَفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غير موضعها، ومن ذلك قول ابن قَميئة في صفة غيث (١):
ظَلَمَ الْبِطَاحَ بِهَا انْهِلالُ حَرِيصَةٍ ... فَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ الْمُقْلَعِ
قوله ظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبِّه. ومنه: ظَلم الرجلُ جَزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وَضْع النحر في غير موضعه (٢).
وذكروا في قوله تعالى ﴿فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٣٥]، وجهان (٣):
أحدهما: من المعتدين في أكل ما لم يُبَحْ لكما.
والثاني: من الظالمين لأنفسكما في أكلكما.
واختلفُوا في معصية آدم بأكله من الشجرة، على أي وجهٍ وقعت منه، على أربعة أقاويل (٤):
أحدها: أنه أكل منها وهو ناسٍ للنهي لقولِهِ تعالى: ﴿ولقد عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ﴾ [طه: ١١٥]، وزعم صاحب هذا القول، أن الأنبياء يلزمهم التحفظ والتيقُّظُ لكثرة معارفهم وعُلُوِّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم، فيكون تشاغله عن تذكُّر النهي تضييعًا صار به عاصيًا.
والقول الثاني: أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذًا بما فعله في السُّكْرِ، وإن كان غير قاصدٍ له، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحيًا، وهو قول سعيد بن المسيب (٥).
والقول الثالث: أنه أكل منها عامدًا عالمًا بالنهي، وتأول قوله: ﴿وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ﴾ [طه: ١١٥] أي فَزَلَّ، ليكون العَمْدُ في معصيةٍ يستحق عليها الذمَّ.
والرابع: أنه أكل منها على جهة التأويل، فصار عاصيًا بإغفال الدليل، لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر، ولقوله تعالى في إبليس: ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾ [الأعراف: ٢٢] وهو ما صرفهما إليه من التأويل.
واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل، على ثلاثةِ أقاويلَ (٦):
أحدها: أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم.
والثاني: أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها، وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ.
والثالث: أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣].
الفوائد:
١ من فوائد الآية: إثبات القول لله ﷿؛ لقوله تعالى: (وقلنا يا آدم).
٢ ومنها: أن قول الله يكون بصوت مسموع، وحروف مرتبة؛ لقوله تعالى: ﴿يا آدم اسكن ..﴾ إلخ؛ ولولا أن آدم يسمعه لم يكن في ذلك فائدة؛ وأيضًا هو مرتب؛ لقوله تعالى: ﴿يا آدم اسكن أنت وزوجك﴾: وهذه حروف مرتبة، كما هو ظاهر؛ وإنما قلنا ذلك لأن بعض أهل البدع يقول: إن كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وليس بصوت، ولا حروف مرتبة؛ ولهم في ذلك آراء مبتدعة أوصلها بعضهم إلى ثمانية أقوال
٣ ومن فوائد الآية: منّة الله ﷿ على آدم، وحواء حيث أسكنهما الجنة.
٤ ومنها: أن النكاح سنة قديمة منذ خلق الله آدم، وبقيت في بنيه من الرسل، والأنبياء، ومن دونهم، كما قوله تعالى: ﴿ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية﴾ (الرعد: ٣٨)

(١) والبيت جاء في بعض كتب التفاسير منسوبًا لعمرو بن قميئة (انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٥٠). وصحة نسبته إلى الحادرة الذبياني، وهو في ديوان الحادرة، قصيدة: ٤، البيت رقم: ٧، وشرح المفضليات: ٥٤. والبطاح جمع بطحاء وأبطح: وهو بطن الوادي. وأنهل المطر انهلالا: اشتد صوبه ووقعه. والحريصة والحارصة: السحابة التي تحرص مطرتها وجه الأرض، أي تقشره من شدة وقعها. والنطاف جمع نطفة: وهي الماء القليل يبقى في الدلو وغيره. وقوله: " بعيد المقلع ": أي بعد أن أقلعت هذه السحابة. ورواية المفضليات: " ظلم البطاح له " وقوله: " له ": أي من أجله.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٥٢٤.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٠٥.
(٤) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٠٥ - ١٠٦.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٧٤٩): ١/ ٥٣٠.
(٦) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٠٦.

2 / 193