ऐतिहासिक पहेलियाँ
ألغاز تاريخية محيرة: بحث مثير في أكثر الأحداث غموضا على مر الزمن
शैलियों
كان الماسونيون يصلحون كمشتبه بهم فاسدين؛ نظرا لكونهم جمعية سرية تمارس كل أنواع الطقوس الغامضة التي كانت تبدو، لغير الأعضاء، أقرب لأعمال السحر والشعوذة. وكان موتسارت قد انضم لمحفل ماسوني صغير بفيينا في عام 1784. وكان عضوا نشطا؛ إذ قام بتأليف عدد من المقطوعات تدور حول أفكار ماسونية، من ضمنها «الناي السحري»، وهو آخر عمل مكتمل له.
حتى منتصف القرن التاسع عشر، لم يكن الباحثون يدركون الإيحاءات الماسونية في «الناي السحري». على سبيل المثال، يلعب الرقم 18، الذي له مدلول كبير في الطقوس الماسونية، دورا مهما أيضا في أوبرا موتسارت. ففي بداية الفصل الثاني، يوجد ثمانية عشر كاهنا وثمانية عشر مقعدا، ويقسم الجزء الأول من الكورس الذي يغنونه إلى ثمانية عشر فاصلا. علاوة على ذلك، تحتوي المقدمة الأوركسترية لهذا المشهد على ثماني عشرة مجموعة من النغمات.
وتقدم الطبعة الأصلية لنص كلمات الأوبرا في عام 1791 دليلا آخر أكثر وضوحا على أن موتسارت وواضع كلمات أوبراه (وهو أحد رفاقه الماسونيين) إيمانويل شيكانيدير كانا يقصدان أن تكون الأوبرا قصة رمزية ماسونية، ولو بشكل جزئي. فتضم صفحة عنوان النص الأوبرالي نجمة ذات خمسة رءوس، ومربعا، ومالج بناء، وساعة شمسية؛ وكلها رموز ماسونية.
كان أول من طرح ضلوع الماسونيين في تسميم موتسارت هو جي إف دومر، وذلك في عام 1861. فذهب إلى أن موتسارت قد عادى رفاقه الماسونيين بإفشاء بعض أسرارهم في «الناي السحري»؛ لذا عمد الماسونيون - أو بالأحرى دائرة داخلية من الماسونيين - حسبما ذهب دومر إلى الانتقام. وقد تبنى هذه النظرية العديد من كتاب القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
غير أن نظريات المؤامرة الماسونية لم يكن خلفها دليل حقيقي يدعمها، شأنها شأن نظريتي هوفديميل وساليري. صحيح أن معظم الباحثين (وليس كلهم) قد تقبلوا فكرة أنه كان هناك عنصر ماسوني في «الناي السحري»، ولكن لم يكن هناك مبرر لتصديق أن الماسونيين لم يكونوا راضين تمام الرضا عن ربطهم بالأوبرا ومؤلفها. بل إنه بعد وفاة موتسارت أقام محفله احتفالية تأبين، وطبعوا نسخا من الخطبة التي ألقيت على شرفه. كذلك لم يتمكن واضعو نظريات المؤامرة قط من تفسير قيام الماسونيين بقتل موتسارت وليس شيكانيدير الذي كان، ككاتب نصوص أوبرالية، مسئولا بنفس القدر على الأقل عن العناصر الرمزية للأوبرا.
وتعد نظرية المؤامرة افتراء ظالما على الماسونيين، الذين على الرغم من كونهم طائفة ذات أيديولوجية دينية خاصة بلا شك، كانوا يضمون بينهم بعضا من أكثر مواطني فيينا احتراما. بل إن المحافل الماسونية كانت ملتقى للكثير من النخبة الفكرية بالمدينة. بالمثل، كان الماسونيون في أمريكا يضمون بين أعضائهم جورج واشنطن، وبنيامين فرانكلن، وتوماس جيفرسون، وفي فرنسا انضم إليهم الكثير من الجمهوريين البارزين.
غير أن النزعة الجمهورية عند الكثير من الماسونيين كانت بالكاد مطمئنة للإمبراطور ليوبولد الثاني إمبراطور النمسا؛ فقد كان ليوبولد يراقب الثورات التي اندلعت بالخارج بمزيد من القلق، وتمثل رد فعله في أنه قام بالتضييق على الماسونيين في الداخل. فأغلق الكثير من محافلهم، وجعل الشرطة تراقب البقية عن كثب. وخمن بعض المؤرخين أن موتسارت وشيكانيدير قد قررا إنتاج أوبرا ماسونية كرد فعل لهذا الضغط. وكان أملهما أن تساهم «الناي السحري» في إقناع العامة، والحكومة المحافظة، بأنه ليس هناك ما يدعو للخوف من الماسونيين.
وإذا كان الأمر كذلك، فقد ذهب أملهما أدراج الرياح؛ فبحلول منتصف تسعينيات القرن الثامن عشر قام ليوبولد بحظر الماسونيين كلية، وتقلص تأثيرهم وتضاءلت عضويتهم. ولكن موتسارت ظل ماسونيا مخلصا حتى وفاته. ولدينا كل سبب لتصديق أن رفاقه الماسونيين ظلوا على نفس القدر من الولاء والإخلاص له. •••
لو كان موتسارت قد تسمم، فأغلب الظن أن المجرمين هم أطباؤه على الأرجح، وإن لم يكن عن عمد.
فقد روت كونستانس واقعة واحدة على الأقل عن تسبب الأطباء في «إنزافه»، وربما كان هناك وقائع أخرى؛ نظرا لأن هذا العلاج كان لا يزال شائعا في أواخر القرن الثامن عشر. وفي حالة موتسارت الصحية الهزيلة، خاصة لو كان يعاني من مرض بالكلى، مثلما يعتقد الكثير من المؤرخين، فمن الوارد كثيرا أن يكون العلاج قد ساهم في موته.
अज्ञात पृष्ठ