في سفر أعمال الرسل الذي يروي عن نشاط أتباع يسوع بعد صعوده. يقول لنا لوقا في الإصحاح الأول: إن الرسل الأحد عشر بعد أن ارتفع يسوع عنهم، «رجعوا إلى أورشليم من جبل الزيتون وصعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها، وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء اللواتي تبعن يسوع، ومع مريم أم يسوع ومع إخوته» (أعمال، 1: 9-14)، ثم يقول لنا إنه بعد بضعة أيام دعا بطرس جميع أتباع يسوع من التلاميذ وكان عددهم نحو مائة وعشرين من أجل اختيار رسول ثاني عشر ليحل محل يهوذا الإسخريوطي الذي مات بعد خيانته ليسوع، فوقع الاختيار على متياس فحسب مع الأحد عشر رسولا (أعمال، 1: 15-26). في هذا الخبر، يبدو لنا بطرس كرئيس الكنيسة أورشليم الناشئة، على الرغم من أن الكاتب لا ينص صراحة على ذلك. وهذا الاستنتاج تدعمه حقيقة أن بطرس كان أبرز الرسل الاثني عشر خلال حياة يسوع، وكان مع يوحنا ويعقوب (ابنا زبدي) الأقرب إليه من البقية. كما تدعمه مسيرة أحداث سفر الأعمال حيث نجد بطرس في أكثر من موضع يقف ويخطب في التلاميذ ويعطي تعليماته إليهم. وهو يظهر مع يوحنا ابن زبدي في بعض المفاصل الرئيسية من حياة الجماعة المسيحية الأولى. فقد شفيا مقعدا باسم يسوع الناصري (3: 1-10). وكانا يخطبان في الشعب عندما أرسل الكهنة وقبضوا عليهما وأودعا في السجن (4: 1-22). وتوجها معا إلى السامرة للتبشير بين أهلها (8: 14-25).
في سياق رواية أعمال الرسل نتعرف على اثنين من التلاميذ يحملان اسم يعقوب، الأول يعقوب ابن زبدي أخو يوحنا الذي قتله الملك أغريبا الأول الذي عينه الرومان حاكما على اليهودية والسامرة من عام 40 إلى عام 44م: «وفي ذلك الوقت مد هيرودوس (أغريبا) يديه ليسيء إلى أناس من الكنيسة، فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف. وإذ رأى أن ذلك يرضي اليهود عاد فقبض على بطرس أيضا» (12: 1-3). ولدينا تلميذ آخر يدعى يعقوب أشار إليه مؤلف سفر الأعمال ثلاث مرات؛ المرة الأولى بعد خروج بطرس من السجن عندما جاء إلى بيت مرقس حيث كان عدد من التلاميذ مجتمعين هناك، فقال لهم: «أخبروا يعقوب والإخوة بهذا. ثم خرج وذهب إلى موضع آخر» (12: 11-17). وفي المرة الثانية عندما وقف شخص اسمه يعقوب وتكلم في اجتماع للتلاميذ فحدد واجبات المنتمين إلى المسيحية من الوثنيين تجاه الشريعة، وحصرها بالامتناع عن السجود للأصنام، وعن الزنا، وعن أكل الدم ولحم الحيوانات المخنوقة (15: 13-21). وفي المرة الثالثة عندما عاد بولس إلى أورشليم من رحلته التبشيرية: «ولما وصلنا إلى أورشليم قبلنا الإخوة بفرح، وفي الغد دخل بولس معنا إلى يعقوب وحضر جميع المشايخ» (أعمال، 21: 17-18). فمن هو يعقوب الذي يبدو في هذه الإشارات على اقتضابها شخصية قيادية في الحركة المسيحية الناشئة؟
إن الاعتماد على سفر أعمال الرسل من أجل تحديد هوية يعقوب، يقودنا إلى القول بأنه يعقوب بن حلفي الوارد ذكره في قائمة أسماء الرسل الاثني عشر لدى كل من مرقس 3: 16-19 ومتى 10: 2-4 ولوقا 6: 13-16. ولكن بولس في رسالته إلى أهالي غلاطية يقول: إنه في زيارته الأولى لأورشليم بعد ثلاث سنوات من اهتدائه، زار بطرس لكي يتعرف عليه ومكث عنده خمسة عشر يوما، ولكنه لم ير غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب (غلاطية، 1: 18-19). وفي الإصحاح الثاني من الرسالة نفسها يقول بأنه زار أورشليم للمرة الثانية بعد أربع عشرة سنة، حيث التقى «يعقوب وصفا (= بطرس) ويوحنا، المعتبرين أنهم أعمدة» (غلاطية، 2: 1-10). وهذا ما يقودنا إلى التأكد من هوية يعقوب سفر الأعمال على أنه يعقوب ابن كلوبا ، ابن عم يسوع أو أخوه بالمعنى المجازي السائد. وقد كان واحدا من الهيئة القيادية العليا إلى جانب بطرس ويوحنا.
وتتأكد لدينا هوية يعقوب سفر الأعمال من خلال شهادة خارجية. فقد روى المؤرخ يوسيفوس أن المجلس اليهودي في عام 62م اتهم يعقوب أخا يسوع (هكذا وردت تسميته في النص) بالهرطقة وحكم عليه بالموت رجما بالحجارة.
8
وقد أورد لنا أوزيب القيساري في تاريخه الكنسي نبذة مقتبسة عن هيجيسبوس من أواسط القرن الثاني الميلادي يتحدث فيها عن يعقوب. فقد كان نذيرا للرب من بطن أمه، لم يأكل اللحم ولم يشرب الخمر ولم يحلق شعر رأسه ولم يضمخ جسده بالعطور. وكان يصلي من أجل غفران خطايا الشعب. وعندما حكم عليه اليهود بالموت رجما ركع على ركبتيه وطلب من الرب أن يغفر لقاتليه. وبعد موت يعقوب اجتمع الرسل وبقية التلاميذ واختاروا ابنا آخر لكلوبا أخي يوسف يدعى سمعان ليحل محل يعقوب. وقد عاش سمعان هذا حتى سن متأخرة وحكم عليه الرومان بالصلب في عهد الإمبراطور تراجان (98-117).
9
إن خلاصة ما توصلت إليه بخصوص إخوة يسوع، هي أنهم ينتظمون في مجموعتين؛ الأولى هم إخوته بالجسد من يوسف ومريم، والثانية هم أولاد عمه كلوبا. وإلى هذه المجموعة الثانية ينتمي من دعاه بولس ومؤلفو التاريخ الكنسي بيعقوب أخي الرب، كما ينتمي إليها سمعان بن كلوبا الذي حل محل أخيه يعقوب في مجلس الرسل الاثني عشر. وقد كان لهاتين الشخصيتين دور قيادي بارز في توجيه الحركة المسيحية المبكرة. هذه الخلاصة لا تتفق مع التفسير الكنسي ولا مع تفسير بقية الباحثين، ولكنها تقوم على استقراء دقيق لمعطيات الأناجيل.
مشكلة الرسل الاثني عشر
كانت المهمة الأولى التي اضطلع بها يسوع بعد اعتماده على يد يوحنا المعمدان وسماعه للصوت الإلهي، هي دعوته التلاميذ للانضمام إليه. نقرأ في إنجيل مرقس: «وبعدما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ... وفيما هو يمشي عند بحر الجليل أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شباكا في البحر لأنهما كانا صيادين، فقال لهما يسوع: هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلا فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء وذهبا وراءه» (مرقس، 1: 14-20). وللوقت شرع يسوع في مهامه التبشيرية وراح يجول في القرى والبلدات المجاورة ويشفي المرضى والمقعدين ومن بهم مس. «ثم خرج إلى البحر فأتاه كل الجمع فأخذ يعلمهم. وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسا عند مكان الجباية (لأنه كان عشارا، أي جابي ضريبة)، فقال له اتبعني، فقام وتبعه» (مرقس، 2: 13-14). وبذلك يغدو عدد التلاميذ المباشرين خمسة؛ أربعة صيادي سمك هم الأخوان سمعان (= بطرس) وأندراوس، والأخوان يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، والخامس عشار يدعى لاوي بن حلفي.
अज्ञात पृष्ठ