لقد ظهرت الأناجيل الأربعة في عصر موثق لنا كل التوثيق، ونعرف الكثير عن أحداثه وشخصياته. في ذلك العصر كانت الكتابة التاريخية قد بلغت درجة عالية من النضج، وكان أصحابها يتبعون مناهج متطورة في التوثيق وتقصي الحقائق. ولكن مؤلفي الأناجيل لم يكونوا مؤرخين بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، ولم يكن بين أيديهم وثائق مكتوبة عن حياة يسوع وما جرى له قبل عقود عديدة مضت، وإنما أخبار متداولة شفاهة تلونت عبر الزمن بالتطورات اللاهوتية ضمن الفكر المسيحي، وبالآراء ووجهات النظر المتخالفة للمجموعات المسيحية، فانتقى كل منهم ما انتقى وأسقط ما أسقط. وهم في اختيارهم للمعلومات لم يكونوا يتوخون الدقة التاريخية وإنما دعم وتقوية الإيمان، وتقديم الإرشاد للمجموعات المسيحية. هذه العملية الانتقائية قد ترافقت مع عملية تأويلية من شأنها إعادة صنع الحدث بطريقة خلاقة، لا مجرد روايته كما وصل إلى الكاتب. وعلى الرغم من ذلك فقد قدم لنا الإنجيليون إطارا جغرافيا وطبوغرافيا واضحا للحدث، وكان يسوع يتحرك على مسرح واقعي نستطيع مطابقته اليوم على خارطة فلسطين في تلك الأيام. كما قدموا لنا إطارا زمنيا عاشت فيه مجموعة من الشخصيات التاريخية الموثقة لنا بدقة في المصادر الخارجية، وأهمهم: (1)
هيرود الكبير، الذي عينه الإمبراطور أوغسطس ملكا على فلسطين، ثم ضم إلى ممتلكاته مناطق شرقي الأردن ووصلت سلطته إلى حوران في الجنوب السوري. وقد دام حكمه من عام 37ق.م. إلى عام 4ق.م. تميز هيرود بالقسوة والبطش، وحكم مملكته بقبضة من حديد، وكان متحمسا للثقافة الهيلينية كارها لليهود والثقافة اليهودية. اشتهر بأعمال البناء والتشييد، وكان من جملة أعماله إعادة بناء وتوسيع هيكل أورشليم وجعله درة معابد الشرق في زمانه. وحسب رواية متى فإن يسوع ولد في أواخر عهد هذا الملك. (2)
أرخيلاوس، ابن هيرود الكبير. عينه الرومان حاكما على مقاطعتي اليهودية والسامرة بعد تقسيم مملكة أبيه. وقد قمع عشية تسلمه للسلطة تمردا لليهود في أورشليم وقتل منهم ثلاثة آلاف. ولكن الإمبراطور أوغسطس خلعه من ملكه بسبب سوء حكمه عام 6م، وأعاد السلطة في المقاطعتين إلى ولاة رومانيين ، وفي عهده عادت العائلة المقدسة من مصر. (3)
هيرود أنتيباس (4ق.م-39م)، الابن الثاني لهيرود الكبير. عينه أوغسطس حاكما على الجليل وبيرايا (شرقي الأردن)، وبقي في منصبه أكثر من أربعين سنة. وعندما ارتقى العرش الإمبراطور كاليغولا غضب عليه ونفاه إلى ليون في فرنسا. يرتبط اسمه في الأناجيل الإزائية بمقتل يوحنا المعمدان، وبمحاكمة يسوع. (4)
فيليبس (4ق.م-34م)، الابن الثالث لهيرود الكبير. وقد أعطي حكم مناطق سوريا الجنوبية (الطراخونية في اللجاة، إيطورية في البقاع، والجولان). وبقي في نصبه نحو أربعين سنة، وارتبط اسمه في الإنجيل بظهور يوحنا المعمدان. (5)
كيرينيوس، المفوض العام الروماني في سوريا من عام 6 إلى 7م. وفي عهده جرى الإحصاء السكاني الذي تحدث عنه لوقا. (6)
بيلاطس البنطي (26-36م). الوالي الروماني على مقاطعتي اليهودية والسامرة، وكان مقره الرسمي في مدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني لا في أورشليم، وكان يصعد إلى دار الولاية في أورشليم ليقضي للشعب هناك. ارتبط اسمه في الأناجيل بمحاكمة يسوع. (7)
قيافا، رئيس الكهنة في أورشليم من عام 27 إلى عام 36م. وكان منصب رئيس الكهنة في تلك الأيام في يد الإدارة الرومانية، تعين فيه من تشاء وتعزل من تشاء. (8)
حنان، أو حنانيا. رئيس الكهنة في أورشليم من عام 6 إلى 15م. خلعه الوالي الروماني على اليهودية فاليروس جراتوس واستبدله بأحد أولاده، ولكنه بقي أكثر الكهنة نفوذا وبقي يحمل لقب رئيس الكهنة. وكان حما الرئيس الفعلي قيافا الذي كان دمية بيده. ارتبط اسما هذين الكاهنين بمحاكمة يسوع. (9)
يوحنا المعمدان. وهو أيضا شخصية تاريخية موثقة، وقد أورد المؤرخ يوسيفوس عددا من الأخبار المتعلقة به، والتي نستطيع الآن مقاطعتها مع أحداث تاريخية معروفة مثل حرب ملك الأنباط الحارثة الثاني مع هيرود أنتيباس ملك الجليل. وقد بدأ التبشير في السنة الخامسة عشرة من حكم تيبيريوس (لوقا، 3: 1) أي عام 29م.
अज्ञात पृष्ठ