5
يبدو لنا هذا الخبر الذي أورده آغابيوس مكتوبا من قبل شخص موضوعي. فهو لم يقل إن يسوع هو المسيح بل قال إن تلاميذه يفترضون ذلك. ولم يقل إنه ظهر لتلاميذه حيا في اليوم الثالث وإنما عزا لتلاميذه هذا القول. من هنا يمكن اعتباره أقرب إلى الصيغة الأصلية التي أوردها يوسيفوس. ولعل مما يدعم هذا الرأي أن يوسيفوس قد أورد خبرا لاحقا عن يسوع، يتحدث فيه عن حادثة جرت نحو عام 62م عندما أعدم المجلس اليهودي «يعقوب أخا يسوع الذي يدعى المسيح» (ويعقوب هذا ورد اسمه بين إخوة يسوع في إنجيل متى 13: 55، وفي إنجيل مرقس 6: 3). إن الصيغة المختصرة لهذا الخبر وعدم تصدي المؤلف لمزيد من التعريف بيسوع، يدل على أنه اعتبر يسوع شخصية معروفة تماما ولا حاجة إلى التعريف بها. كما أن هذا الخبر الثاني يؤكد أصالة الخبر السابق.
6
ولكن ماذا يقول اليهود أنفسهم في يسوع؟ وهم المستفيد الأول من فكرة لا تاريخية يسوع لا سيما في جدالهم مع المسيحيين المنشقين عن اليهودية؟ إن وجهة نظر اليهود في يسوع تتخذ لدينا أهمية بالغة، لأن الأخبار التي تداولوها كانت أخبارا متصلة وغير منقطعة ومستمدة من عصر يسوع نفسه، فقد أورد كتاب التلمود رواية كانت متداولة بين اليهود مفادها أن يسوع قد ولدته امرأة تعمل ندافة من عشيقها الوثني بانتير. وقد سافر في شبابه إلى مصر حيث تعلم فنون السحر، وعندما عاد حوكم وأعدم رجما بالحجارة، ثم علق عشية عيد الفصح.
7
ونحن إذن صرفنا النظر عن الحقد اليهودي الذي ينضح من هذا الخبر لما وجدنا فيه إلا توكيدا على تاريخية يسوع. فلو لم يكن يسوع شخصا من لحم ودم، ولو أن أحدا ما قال في ذلك العصر إن يسوع كان شخصية مختلقة، لكان اليهود أسرع الجميع إلى إعلان ذلك، وحشد الوقائع للبرهنة عليه بدل التركيز على تشويه سمعته وسمعة أمه.
لقد تقصينا حتى الآن المصادر الخارجية التي تشهد على تاريخية يسوع، وهي المصادر نفسها التي ادعى بها أصحاب الرأي المخالف. ولكن ماذا عن مصادر كتاب العهد الجديد ذاتها؟ ولماذا تستبعد هذه المصادر من الجدال الدائر حول تاريخية يسوع؟ أليس من الممكن والمرجح أنها تحتوي على وقائع تاريخية جرى تقديمها في قالب وعظي ألقى ظلالا من الشك على مصداقيتها؟
لقد تحول بولس الرسول إلى المسيحية في أربعينيات القرن الأول، وراح يبشر بالمسيح الذي صلب من أجل خلاص العالم، وذلك بعد مضي نحو عقد واحد من الزمان على حادثة الصلب. ثم بدأ بكتابة رسائله المعروفة مع بداية خمسينيات القرن، والتي كان يجري تداولها على نطاق واسع بين المجموعات اليهودية المتنصرة قبل تدوين الأناجيل. فهل كان بولس يبشر بكائن أسطوري لم يوجد قط ولم يسمع أحد بصلبه على يد بيلاطس قبل عقدين من الزمان؟ إن بولس لم ير يسوع لكنه عرف الذين رأوه وسمعوه، وكان على صلة بكنيسة أورشليم، وكان يلتقي ببطرس ويوحنا وغيرهما من تلاميذ يسوع. فهل كان هؤلاء شخصيات ميثولوجية أيضا لم يعرفها ولم يسمع بها اليهود من مستمعي بولس؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف استطاع بولس استمالة عدد كبير من اليهود اليونانيين وكان بعضهم يحج إلى أورشليم ويعرف أخبارها، ويعرف بالتالي كذب ما يدعيه بولس؟
على أية حال، فإن بولس لم يرو لنا شيئا من سيرة حياة يسوع، ولم يبشر بيسوع الإنسان الذي عاش في فلسطين، وإنما بيسوع القائم من بين الأموات وبالآثار الخلاصية لصلبه وقيامته. وما علينا من أجل البحث عن يسوع التاريخي سوى الالتفات إلى الأناجيل الأربعة، من أجل إحداث شبكة من التقاطعات بين الأخبار الواردة فيها والأخبار التاريخية الموثقة. وهذا ما سوف نلتفت إليه فيما يلي من هذا البحث.
الإطار التاريخي للإنجيل
अज्ञात पृष्ठ