لقد صار من المسلم به اليوم أن الآيات الاثنتي عشرة الأخيرة من إنجيل مرقس الذي بين أيدينا، والتي تقص عن ظهورات يسوع بعد القيامة لتلاميذه وارتفاعه بعد ذلك إلى السماء، هي جزء أضافه الناسخون اللاحقون، لأن أقدم نسخة توفرت لنا من هذا الإنجيل لا تتعرض لهذه الأحداث. وقد تم اكتشاف هذه النسخة في دير سانتا كاثرينا بصحراء سيناء في مجلد واحد مع بقية الأناجيل الأربعة نحو عام 1860م، ولكنها لم تنشر إلا بعد ذلك ببضعة عقود. قبل هذا الاكتشاف كان معروفا لدى الخاصة أن أقدم نسخة يحتفظ بها الفاتيكان لإنجيل مرقس تفتقد في خاتمتها أيضا لأحداث الظهورات والصعود، وكان التفسير الشائع لهذه الظاهرة هو ضياع الورقة الأخيرة من النص والتي كانت تحتوي على بقية خاتمة الإنجيل. ولكن اكتشاف نسخة دير سانتا كاثرينا قد دحض هذا التفسير، لأن خاتمتها تنتهي أيضا دون التعرض لهذه الأحداث، وعلى الورقة الأخيرة نفسها باشر الناسخ بتدوين إنجيل لوقا مبتدئا بعبارة «الإنجيل بحسب لوقا». وهذا يعني أننا أمام نسخة كاملة غير منقوصة لإنجيل مرقس في شكله الأقدم والأقرب إلى الأصل.
2
وإليكم نص الخاتمة كما ورد في نسخة سانتا كاثرينا، وهو يتطابق مع نص الخاتمة التي بين أيدينا ولكن من دون الآيات الاثنتي عشرة الأخيرة: «وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب، وسالومة حنوطا ليأتين ويدهنه. وباكرا جدا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس، وكن يقلن فيما بينهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فتطلعن ورأين أن الحجر قد دحرج لأنه كان عظيما جدا. ولما دخلن القبر رأين شابا جالسا عن اليمين لابسا حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن لا تندهشن، أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام، ليس هو ها هنا. هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه. ولكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرجن سريعا وهربن من القبر؛ لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن، ولم يقلن شيئا لأحد لأنهن كن خائفات.» (مرقس، 15: 1-8)
إذا قرأنا هذه الخاتمة بعين غير متأثرة بخاتمات الأناجيل الأخرى لخرجنا بالملاحظات التالية: (1)
لم يقل كاتب الإنجيل إن الشاب الذي وجد داخل القبر هو ملاك. وهذا يترك الاحتمال قائما في أن يكون أي شاب يرتدي حلة بيضاء. وربما كان أحد فتيان يوسف الرامي، الرجل الثري الذي كان تابعا سريا ليسوع والذي طالب بجثمانه من الوالي بيلاطس ثم أودعه في قبر فارغ ضمن بستانه القريب من موضع الصلب. ولعل من المفيد أن نذكر هنا أن أعضاء طائفة الأسينيين اليهودية في ذلك الوقت كانوا يرتدون الثياب البيضاء. (2)
كان رد فعل النساء تجاه رؤية الشاب هو الدهشة وليس الخوف، وهذا ما يرجح أنهن لم يرين ملاكا وإنما شابا عاديا. (3)
استخدم الكاتب في تفسير عدم وجود يسوع في القبر تعبير: «لقد قام هو ليس ها هنا»، ولم يتبع ذلك بأي توضيح يتعلق بطبيعة هذه القيامة. (4)
إن فحوى الرسالة التي أراد يسوع من النسوة نقلها لتلاميذه هي أنه سوف «يسبقهم» إلى الجليل وهناك يرونه. وليس في هذا التعبير أي مضمون إعجازي أو إشارة إلى ظهور خارق. (5)
هذه النتائج التي أوصلتنا إليها الدراسة المدققة للخاتمة الأصلية لإنجيل مرقس، أقدم الأناجيل وأقربها إلى الحدث التاريخي، سوف تتدعم بالدراسة الموضوعية لخاتمات الأناجيل الثلاثة الأخرى. فالأخبار عن ظهورات يسوع الخارقة في هذه الأناجيل متباينة، أما صعوده إلى السماء فلا يرد إلا في خاتمة إنجيل لوقا، بينما تخلو خاتمتا متى ويوحنا من أي إشارة إلى هذا الصعود. وحتى في خاتمة لوقا فإن صياغة الكاتب للحادثة تدل على أنه يقر ببند اعتقادي صار مترسخا، أكثر من كونه يصف حادثة موضوعية. ولنبدأ بخاتمة متى وهي الأقصر بين الخاتمات الثلاث. (1) خاتمة متى
عندما قام يوسف الرامي (نسبة إلى مدينة الرامة) بدفن جثمان يسوع مساء يوم الجمعة في قبر جديد كان قد نحته في الصخر ثم دحرج عليه حجرا كبيرا، كانت اثنتان من النسوة اللواتي تبعن يسوع، يدعوهن الكاتب بمريم المجدلية ومريم الأخرى، تراقبان ما يجري. وعندما انصرف يوسف انصرفتا أيضا للاستراحة في يوم السبت. وفي الليل أرسل الوالي بيلاطس حراسا ليضبطوا القبر بناء على التماس من رؤساء الكهنة، لأنهم قالوا لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من بين الأموات: «وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج؛ فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب ملاك الرب وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ها هنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه، واذهبا سريعا وقولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه. فخرجتا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا التلاميذ. وفيما هما منطلقتان لتخبرا التلاميذ إذا يسوع لاقاهما وقال: سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع: لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان ... وأما الأحد عشر تلميذا فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا. فتقدم يسوع وكلمهم قائلا: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى، 28: 1-20).
अज्ञात पृष्ठ