يحكي لنا صاحب الروضات شهادة شيخنا الشهيد حيث يقول: نقل عن خط ولد الشهيد على ورقة أجازته لابن الخازن الحائري ما صورته: استشهد والدي الإمام العلامة، كاتب الخط الشريف، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مكي شهيدا حريقا بعده بالنار يوم الخميس تاسع جمادى الأولى سنة ست وثمانين وسبعمائة، وكل ذلك فعل برحبة قلعة دمشق.
وفي اللؤلؤة أنه قتل بالسيف ثم صلب، ثم رجم، ثم أحرق بالنار ببلدة دمشق في سلطنة (برقوق) بفتوى برهان الدين المالكي، وعباد بن جماعة الشافعي، وتعصب جماعة كثيرة بعد أن حبس في القلعة الدمشقية سنة كاملة، وكان سبب حبسه أن وشي عليه تقي الدين الجبلي، ويوسف بن يحيى، وكتب يوسف محضرا يشنع فيه على الشيخ المترجم بأقاويل شنيعة، وعقائد غير مرضية، عزاها إليه، وشهد فيه سبعون من أهل الجبل من أقوام حناق على المترجم، وكتب في هذا ما ينيف على الألف من أهل السواحل من رعرعة الناس، وأثبتوا ذلك عند قاضي بيروت، وقاضي صيدا، وأتوا بالمحضر إلى القاضي عباد بن جماعة بدمشق فأنفذه إلى القاضي المالكي فقال له تحكم فيه بمذهبك وإلا عزلتك، فجمع الملك بيدمر والأمراء والقضاة والشيوخ، واحضروا شيخنا المترجم، وقرأ عليه المحضر، فأنكر ذلك فلم يقبل، وقيل له: قد ثبت ذلك عندنا، ولا ينتقض حكم القاضي.
فقال الشيخ: الغائب على حجته فإن أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه وإلا فلا، وها أنا أبطل شهادات من شهد بالجرح، ولي على كل واحد حجة بينة، فلم يسمع ذلك منه، ولم يقبل، فعاد الحكم إلى المالكي، فقام وتوضأ، وصلى ركعتين، ثم قال: قد حكمت بإهراق دمه، فاكسوه اللباس، وفعل به ما قدمناه من القتل والصلب والرجم والإحراق (1).
ومما يذكر سببا للسعاية في استشهاد شيخنا الشهيد، انه جرى يوما بينه وبين ابن جماعة كلام في بعض المسائل، وكانا متقابلين، وبين يدي الشهيد محبرة، وكان ابن جماعة رجلا بادنا، واما الشهيد فإنه كان صغير الجثة، فقال له
पृष्ठ 27