अल्फ़ लैला व लैला फ़ी अदब
الرواية الأم: ألف ليلة وليلة في الآداب العالمية ودراسة في الأدب المقارن
शैलियों
وثمة كاتب عربي مشهور تردد اسمه كثيرا في سياق مصادر روايات الشطار والصعاليك، هو أديبنا المعروف أبو عثمان الجاحظ. فهو قد أفرد عددا من مؤلفاته - وإن لم يصل معظمها إلينا - للحديث عن هذه الطبقة البائسة الفقيرة وطرق احتيالها على العيش. وقد انعكست بعض صفات البخل والتقتير التي وردت في كتابه عن البخلاء، واحتيالهم على التهرب من الإنفاق ومن القيام بواجبات الضيافة، في روايات البيكارسك الإسبانية، خاصة الأولى منها. فالجاحظ قد قدم لنا في كتابه قصصا عديدة تبين دقائق حياة البخلاء وتفصيلاتها؛ وهو - كما يقول الأستاذ فاروق سعد في كتابه «مع البخلاء»: «يتابع بخلاءه في حلهم وترحالهم، ولا يتردد في أن يدخل بنا مساكنهم لنقف على أكلهم ومواكلتهم وممتلكاتهم، وعلى همومهم ومشاكلهم وهواجسهم.» والكتاب يزخر هو الآخر بأخبار الفقراء والمتسولين والصعاليك. وكان الجاحظ يلمس عن قرب آثار الفقر والبؤس في مجتمعه الذي حفل بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي تركت أثرها العميق على حياة الناس وأمنهم وثرواتهم. والفقر والتسول يؤديان إلى الغربة والتجوال والتشرد، وإلى شحذ القريحة وادعاء ما ليس في المرء من أجل التكسب. كما أشار الأستاذ سعد ببراعة إلى حقيقة هامة وردت في وصف أحد المتسولين في كتاب الجاحظ ممن يترك التسول أحيانا وينصرف إلى ممارسة رواية القصص، ويقول في ذلك: «أنا لو ذهب مالي جلست قاصا.» وهذا إرهاص بما حدث من ورود قصص الشطار كلها على لسان أصحابها بعد انتهائهم من حياة الصعلكة التي انتهجوها. كما يشير الأستاذ سعد كذلك إلى تردد وصايا خالد بن زيد لابنه في كتاب البخلاء، ووصايا أبي زيد السروجي لابنه في مقامات الحريري، ترددها في روايات الشطار، ومنها وصية يتلوها الشحاذ الأعمى إلى لاثارييو، يدعوه فيها إلى الحرص والحذر، والاحتراس من الدنيا ومن الناس.
ولا يقتصر إسهام الجاحظ في هذا الميدان القصصي عن الشطار على كتاب البخلاء، وبعض أقسام كتابه «المحاسن والأضداد »، وإنما له كتاب آخر مفقود يتحدث عنه مؤرخو الأدب، بعنوان «حيل المكدين» أي الشحاذين الصعاليك. ومن يدري، فلربما يكشف النقاب يوما ما عن مخطوط لذلك الكتاب فنجد فيه ما يلقي الضوء على ما ورد عن الشطار في الكتب الأوروبية الأولى. (هذا الجزء مأخوذ من مقالي «المصادر العربية في القصص الأوروبي» المنشور في «رواة وروائيون من الشرق والغرب» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت عام 2001م).
وقصص ألف ليلة حافلة بأخبار ونوادر الشطار والمحتالين، وأبرزها متجمع في الحكاية التي أخذنا الاقتباس الأول منها، حكاية أحمد الدنف وحسن شومان مع دليلة المحتالة وبنتها زينب النصابة، وهي كلها صور من الاحتيال والنصب والمقالب، يقوم بها شطار ومحتالون ولصوص وسحرة. ونظرة إلى الأسماء الغريبة والكنى العجيبة لبعض الشخصيات، التي جادت بها قريحة راوي أو مؤلف الحكايات تعطي فكرة لطيفة عن تلك الشخصيات، مثل: علي كتف الجمل - علي زيبق - أحمد اللقيط - زريق السماك - المعلم عذرة اليهودي - حسن شر الطريق، بالإضافة طبعا إلى الأبطال الرئيسيين: دليلة المحتالة - زينب النصابة - أحمد الدنف - حسن شومان. ويلاحظ أن هذه القصة تسير على نسق معايير قصص الشطار، حيث ينتهي الأمر بأبطالها نهاية سعيدة، حين تدخل دليلة المحتالة وزينب النصابة في خدمة الدولة والخليفة، ويرتب لهما معاشا شهريا مقابل التزامهما بحفظ النظام، وهو ما سرى قبلا على الشطار حسن شومان وأحمد الدنف ثم علي الزيبق.
ولم يقتصر الإبداع في روايات الشطار على إسبانيا وحدها، بل إن هذا النموذج القصصي ما لبث أن انتقل من إسبانيا إلى الأقطار الغربية، بعد أن ترجمت تلك الروايات البيكارسك الإسبانية إلى اللغات الأوروبية الأخرى. ففي فرنسا، حاكى بعض المؤلفين مثالي «لاثارييو دي تورميس» و«عثمان الفراجي» اللتين انتشرتا بسرعة هناك، فظهرت أشهر رواية شطار فرنسية عام 1715م باسم «حياة جيل بلاس»، وإن كان بعض الباحثين يؤكدون أنها مجرد ترجمة لرواية إسبانية مجهولة وليست إبداعا فرنسيا خالصا. وبعد ذلك، تأثر بقصص الشطار عدد كبير من الكتاب الفرنسيين منهم فولتير في رواية «كانديد» (1759م) و«ديدرو» في «جاك القدرى» (1796م) و«تندال» في روايته الشهيرة «الأحمر والأسود» (1831م).
وفي ألمانيا، ترجمت لاثارييو دي تورميس إلى الألمانية عام 1614م، وعثمان الفراجي في 1615م وبابلو النصاب في 1671م. وفي عام 1669م، ظهرت رواية شهيرة في الأدب الألماني تنتسب لهذا النوع، هي رواية «المغامر»، من تأليف «جيرمان شلايفهايم» (1621-1676م).
أما في إنجلترا، فقد بلغت روايات الشطار شأوا عاليا من الشهرة والرواج، بدأت عام 1594م برواية «المسافر سيئ الحظ» تأليف «توماس ناش»، ثم الرواية التي كتبها دانييل ديفو (مؤلف روبنسون كروزو) المسماة «مغامرات مول فلاندرز» عام 1722م، التي جاءت أقرب روايات الشطار الإنجليزية من الروح الإسبانية لهذا النوع من القصص، ومن ناحية الصفات الأساسية للشخصية التي تلعب دور البطولة وفي تطور حياتها وتقلبها بين الرذيلة والفضيلة. ثم جاءت روايتا هنري فيلدنج «جوزيف أندروز» (1742م) و«حياة توم جونز اللقيط» (1749م) فرسختا أقدام الرواية البيكارسكية الإنجليزية بما ضمتاه من صفات مميزة للبيكارو الإنجليزي، وبما أضافه فيلدنج من سخرية من العاطفية الرخيصة والفضائل المزيفة التي أسبغها على أبطال روايتيه. وقد التقط تشارلز ديكنز الخيط بعد ذلك في رواياته التي تنحو إلى نفس النهج، ومنها أوليفر تويست، ودافيد كوبرفيلد، وآمال كبار، وغيرها.
وثمة رواية إنجليزية استوحاها مؤلفها من ألف ليلة وليلة قدم فيها شخصية «شطارية» من الطراز الأول هو حاجي بابا الأصفهاني. والمؤلف هو الدبلوماسي والكاتب الإنجليزي جيمس موريير (1780-1849م) وأصدرها في ثلاثة مجلدات عام 1824م، مستخدما فيها معلوماته عن الشرق، خاصة إيران وتركيا حيث أقام وعمل مدة طويلة، تعرف فيها على أحوال أهل البلاد وقرأ كتبهم وتأثر بقصصهم. ورواية موريير تحكي قصصا فارسية حول بطلها حاجي بابا، الذي هو أشبه بالشطار الذين يجوبون الآفاق بحثا عن المغامرة والتربح. وهو في تطوافه ذاك يلاقي من الأحداث والشخصيات ما يملأ الكثير من القصص المشابهة لحكايات ألف ليلة وليلة. ومن الواضح أن مؤلفها قد كتبها تقليدا للكتاب العربي وطلبا للنجاح الذي كانت تلاقيه القصص العربية والشرقية في أوروبا. وفيها يسير المؤلف على النسق الطبيعي لقصص الشطار ، فيبدأ بوصف مولد حاجي بابا حين تلده أمه وهي في طريقها إلى العتبات الدينية المقدسة للشيعة، فيلتصق به لقب الحاج منذ صغره. ويتعلم من أبيه صنعة الحلاقة، في نفس الوقت الذي يتلقى طرفا من العلوم الدينية واللغات التي كان يتعلمها من التجار الوافدين إلى أصفهان من جميع أنحاء العالم. وسرعان ما يقرر الترحال حالما يشب عن الطوق، فيلتحق بخدمة تاجر ثري ويسافر معه في قافلة يتهددها التركمان فيقع أسيرا في أيديهم.
ويقوم جاجي بابا بالتعاون مع التركمان وخدمتهم في غزواتهم، إلى أن يتمكن من الهرب والعودة إلى بلده حيث يمتهن عدة مهن يستخدم فيها الحيلة والشطارة. ويتعرف على بعض الدراويش الذين يستغلون وضعهم في التكسب، فيتعلم منهم طرق الاحتيال باسم التدين. ويعلمه واحد منهم حكاية القصص والطرق التي يتبعها لاستخراج النقود من جيوب المستمعين. وهنا نجد مرة أخرى التصاق «الشطار» بقص الحكايات والقيام بدور الراوي، وهي التي بدأت عند أبي زيد السروجي في المقامات العربية.
ويسوق المؤلف موريير بطله حاجي بابا في أحداث ومغامرات وقصص داخل قصص طوال المجلدات الثلاثة التي تستغرقها الرواية، مما يجعلها من بين روايات الشطار النموذجية، التي كتبها مؤلفها أصلا بإلهام من قراءاته في ألف ليلة وليلة وغيرها من القصص الشرقية.
ولم تنقطع روايات الشطار عن الظهور في عالم الأدب المعاصر، وإن كان ذلك في شكل مختلف تماما ويتمشى مع العصر الذي كتب فيه، وينطوي على دلالات فنية ومضمون غير الذي ظهر في الروايات الأولى لهذا النوع القصصي. فنحن نجد صدى لها في روايات ألمانية مثل «فيلكس كروس» (1954م) لتوماس مان، ورواية «الطبلة الصفيح » (1959م) لجونتر جراس؛ وفي إنجلترا في رواية كنجزلي أميس «جيم المحظوظ»، ورواية إيريس مردوخ «تحت الشبكة»، وفي الرواية الأمريكية «الحارس في الحقول» (1954م) لسالينجر، و«مغامرات أوجي مارش» (1954م) لصول بيلو.
अज्ञात पृष्ठ