شهادة من باريس أو لندن -ورأسه فارغ- خير ممّن يفيض علمًا ولا يحمل شهادة! وثلاثة أرباع النابغين المبرزين إن أنت أحصيتهم وجدتهم من غير حَمَلة الشهادات.
اسمعوا وأجيبوني: ألا أستطيع أن أكون مسلمًا مؤمنًا بالله، مقيمًا لفروضه مجتنبًا نواهيه، وأكون عالمًا إن شئت أو أديبًا إن أردت؟ وهل يمنعني الدين من الإخصاء في علم أو التبريز في أدب؟ وهل حسبتم أن الثقافة قد قُصرت عليكم فكانت لكم خالصة من دون الناس أجمعين؟ لا، وأنا لم أدرس في الأزهر ولا في جامع الزيتونة، بل درست كما درستم وحصلت ما حصلتم، وأستطيع أن أتم درسي وأوالي تحصيلي حتى أكون كأحسنكم، ولا ينقص ذلك من ديني شيئًا.
* * *
أما والله لو عرف هؤلاء المجدِّدون أيّ لذة يشعر بها المؤمن -إذ يلتجئ إلى الله أو يقف خاشعًا بين يديه- لباعوا دنياهم كلها بصلاة واحدة. إنهم يصبحون وقد أضحى النهار، فيغسل أحدهم وجهه ويديه ثم يتناول طعامه ويذهب إلى عمله، حتى إذا كان المساء انصرف إلى مقهى ساء هواؤه وفسد جوُّه وقبح مشهده، فقضى فيه ثلثًا من ليله ثم فارقه وهو تَعِب محطم إلى الفراش! ويصبح المؤمن قبل الفجر أو بعده بقليل، فيشهد جمال الطبيعة التي خطّت سطورَها في صفحة الكون يدُ الله، فيمتلئ قلبه تعظيمًا لله فيقف فيصلي خاشعًا خاضعًا، ثم يشهد بزوغ الشمس ويرقب أشعتها الذهبية إذ تتساقط على الأشجار والبُنى والبطاح، ثم يتناول طعامه بادئًا باسم الله خاتمًا بحمد الله، ويذهب إلى عمله ... أيّ