فكحت. وانهجي! فنهجت. وصرخ فيها أن تتنفس بعمق ففعلت.
وانتهى الكشف.
وحين كانت الممرضة تصب فوق يده الكحول ليطهرها، مع أن يده لم تكن قد لامست المرأة، ولا علقت بملابسها، وكان يفرك يديه ضيقا بهؤلاء الناس الحمقى الذين لا يجدون إلا الإجرام وسيلة لقتل أنفسهم.
وقال لها في تشف وكأنه يعاقبها، ويحس بالارتياح وهو يعاقبها: إنت عيانة!
فقالت وهي ترتدي ملابسها وتتثاءب الكلمات: بإيه يا بيه؟
وضايقته الطريقة التي سألته بها. إن هؤلاء الناس لا يحسون. إن كلمة المرض كلمة مرعبة تبعث القشعريرة في الأوصال، فكيف بها تتلقاها دون أن تتحرك لها ساكن؟ ضايقته الطريقة فقال: إنت عندك سل.
قالها وهو مقدر أنها ستشعل النار في رماد تلك المرأة فتنتفض وتصرخ، وتتوب عن لهجتها المتثائبة، وتبكي وتلطم وجهها على الأقل، ولكنها أجابت وكأنها تحلم وتريد إغاظته: طب مانا عارفة.
وهم برش الكحول في وجهها وعينيها، ولكن هدوءها أعداه، وتراخت يده القابضة على الزجاجة، وتراخت معها أعصابه، وجلس على الكرسي، وأشعل سيجارة، وبدأ ينظر إلى المرأة من جديد. إنه بالتأكيد ليس أمام حالة أخرى ليكش فيها وترتعد خوفا وهلعا. إنه أمام مريضة من نوع جديد لا يفلح معها تهويشه، ثم إنها مريضة بالسل.
ومع أنه طبيب إلا أن خوفه من السل ومرضاه كان لا يقل عن خوف غيره من الناس. وقال لها في لهجة رقيقة نوعا: وعرفت ازاي؟
وبانت لها سنة صفراء تلمح في فمها وابتسمت، أجل ابتسمت، وجهها الأصفر كالكهرمان تداخلت فيه أجزاء وتقلصت أجزاء، وأفلح في رسم ابتسامة، وقالت إنه ليس أول طبيب يراها، والمرض له قصة؛ فهو قد داهمها في السجن في الأيام الأولى من سجنها.
अज्ञात पृष्ठ