وتحركت أنيسة، واقتربت من المنتصر، وحكت كتفها في كتفه قائلة بصوت خافت آثم: داووود. وغمغم القط في وقار الفائز كأنما يقول لها: صبرك بالله يا ولية أما ألقط نفسي.
وكان الزوج في وحدته البعيدة مع امرأته، كلما شهد معركة كتلك يحمد الله على أن امرأته إنسانة تزوجها بالحلال وعلى سنة الله ورسوله، وحجزها لنفسه بقسيمة، وليست قطة كان عليه الفوز بها أن يصارع الذكور الآخرين، ويموت قلبه من الرعب في كل مرة، وقد تناله صفعات الجيل الجديد.
ومع كر الأيام جاء اليوم الذي عاد فيه السلام إلى البيت، فانقطعت أرجل الذكور، وانقطع مواء أنيسة، وانقطع الوجع الظهري والخلافات المزعومة، وكذلك انقطع المرض الشهري وحملت زوجته.
وابتسم الرجل والتاريخ يوقفه عند تلك الأيام، لعله اعتقد لحظتها أن أنيسة وداوودها كانا السبب في سمير، أو على الأقل عجلا بقدومه؛ فبعدما انتفخ بطن أنيسة، وبدأت زوجته تتوحم، وتطلب النادر، ثم وضعت أنيسة أربع قطط جميلة احتكرت امرأته تفريقها على أقاربها، ثم بدأت أنيسة تعوي مرة أخرى، وانتفخ بطنها وها هي ذي تلد للمرة الثانية، وتجيء هذه المرة قبل ولادة سمير بأيام.
وفي النهاية كان لا بد أن يمد يده ويتناول القطط الصغار وينفذ المهمة.
وحدث فعلا أن مدها، ولكنه جذبها بسرعة وقد أصابته لسعة طويلة حادة فوق ظهر يده تفجر على أثرها الدم. وبهت الرجل كمن طعن. ونظر إلى أنيسة نظرة المروع المستنكر. كان هذا آخر ما يتوقعه منها بها أليفة أنيسة.
وما إن مرت الصدمة حتى امتلأ قلبه بغضب جامع، وكأنما استنكر على القطة أن تخدعه بذلك الهدوء المزيف ثم تنشب أظافرها فيه. وأنشب عينيه فيها وكلهما غضب، وكان في عينيه خوف أيضا؛ فأنيسة كانت قد انتفضت واقفة ووقفت كل شعرة في فروتها، وانتصبت شواربها المتهدلة، واكتسى وجهها تعبيرا بشعا مخيفا.
وليس هذا كل شيء؛ فأفظع ما في الأمر كانت عيونها، أجل عيونها؛ فقد خيل إليه أن وجهها يحفل لا بزوج من العينين المتنمرتين الواسعتي الحدقات، وإنما بعشرات من العيون كلها مفتوحة على آخرها، وكلها تبرق وتلمع وتتلمظ ولا تبشر بأي خير.
وأسقط في يده.
كانت القطط الصغيرة قد اندست بطريقة ما تحت بطن أمها، وكفت عن الرضاعة، وانكمشت على نفسها وكأنها استشعرت الخطر. وكان الوصول إليه دون تلك الأم المخيفة ذات الآلاف فن المخالب والعيون والأسنان.
अज्ञात पृष्ठ