وابتسم ردا على غيظي وقال: أمال، أمال، ينش، لازم!
وعدت أردد ما قلته، وعاد يقول وهو حائر بين الضحك والابتسام: أبدا، أبدا، إلا دي، دا لازم يقف كده، لازم كده. - ليه؟ - أمال، أمال، عشان يتعلم، ينش ويتعلم، لازم كده. لازم يقف هنا عشان يشوفني وأنا بشتغل ويتعلم، إلا دي.
وإلى حد ما كاد رأيه يقنعني، ولكن الصبي على أي الحالات كان يتعذب، ورد على قولي بقوله: آه عذاب، معاك عذاب، إنما أصول الكار، يتعلم ازاي أمال؟ سيدنا أيوب كان صياد، وسيدنا عيسى كان نجار، أنا اتعلمت كده. كلنا كده، أصول، الواحد لازم يكون له صنعة يأكل منها عيش، إلا دي. اللقمة اللي من غير تعب فكرك يبقى لها طعم، إلا دي، كارنا كده، مش بالساهل، ح يتعلم ازاي ؟ إلا كده، نش يا ولد نش، نش يا جنس كلب، نش إلا دي.
فقلت وأنا لا أزال ممتعضا: طيب ينش ينش، لكن ضروري الشتيمة يعني؟
فأغرق في الضحك وقال: ضروري، ضروري قوي، يتعلم ازاي إلا بالشتيمة؟ دا جاي هنا غصب عنه، فكرك هو عايز يتعلم الحلاقة؟ إلا دي، أبدا، دا عايز يجري ويتنطط زي التلامذة، يتعلم ازاي إلا إذا خاف؟ يخاف يتعلم، وهي دي شتيمة؟ أنا وأنا قده كان أبويا الله يرحمه يتلعن في تربته ألف مرة في اليوم. كنت أزعل، أنا ما اغلطشي، وكده اتعلمت، هي دي شتيمة؟ إحنا كلامنا كده. أصل لا مؤاخذة الصنعة الباردة كلامها بارد، كلامنا كده. ح نعمل إيه؟ يا واد حوش الدبانة دي، الله، أنت عايزها تدخل بقي؟ يعني لازم أوسخ يعني، إلا دي.
وفطنت وهو في منتصف كلامه إلى شيء؛ فهو لم يكن قد سألني رأيي في الطريقة التي أفضلها لقص الشعر، وعادة الحلاق أن يأخذ رأي الزبون. هو لم يكن يلمح رأسي أمامه، حتى انهال عليه قصا وتوضيبا دون أن يحفل بسؤالي، فقاطعته ولا يزال غيظي لم يتبدد: تسمح؟ والله أنا عايز التدريجة.
فقاطعني هو قائلا: عارف، عارف، سيادتك بتحب تكون متوسطة، مش كده؟ إلا دي.
ودهشت قليلا وقلت: إيش عرفك؟
فقال وهو يرفع عينيه عن رأسي ويعتدل، وقد فتحت يده المقص وأخذ يطقطق على الفاضي، والمشط في اليد الأخرى، والسيجار في منتصف المسافة: عرفت ازاي ازاي؟ أنا بعرف كده، المسألة نظر، نظرة واحدة للزبون أعرف هو عايز إيه، إلا دي، نظرة واحدة. عرفت ازاي؟ كده؟ بالفلهوة، أمال الواحد بقاله أربعين سنة في الكار ده ازاي؟ بنلعب، إلا دي.
ثم عاد إلى العمل، وقصر قامته القصيرة، وركز انتباهه على نقطة لا بد كانت استراتيجية جدا من رقبتي، وراح يعمل فيها بطرف المقص بكل دقة وحنكة، وعينه مزرورة، ونار السيجار قد اقتربت جدا من أذني، حتى لتكاد تلسعها، وأكمل من خلال فمه المضموم: النبي عليه الصلاة والسلام قال: اعمل لدنياك. واعمل يعني اعملوا مش تهزروا، لازم الواحد يتفهم الناس، شفت ازاي؟ أهو حضرتك مش متزوج مثلا، لا مؤاخذة أنا بس يعني حبيت أوري سيادتك، ح تقولي ليه؟ كده بالفلهوة، ح تقولي عرفتها ازاي؟ أقول لك ما اعرفشي. كل واحد بيبان عليه، المتزوج بيبان عليه، والعازب يبان عليه، وكذلك الفقير.
अज्ञात पृष्ठ