وقلنا إلى الجهاد من جديد.
وظللنا أياما كثيرة نكلم الناس ونناقشهم ونضرب لهم الأمثال فيهزون رءوسهم ويوافقون، بل يغالي بعضهم في لوم نفسه ويقول: لا مؤاخذة يا فندي انت وهو، أصلنا جهلة والجاهل أعمى، والعتب على النظر.
ولا نتركهم حتى يبدو عليهم الاقتناع الصادق الأكيد ... وما إن يمرض منهم مريض حتى تكون أوراق الطرفة هي أول دواء يوصف وأول ما يستعمل.
وظللنا أعواما كثيرة نحاول ونيئس، ونيئس ونفشل. وكالعادة لم يستمر جهادنا كثيرا، فما لبثنا أن نفضنا أيدينا من الأمر، وقد بدا أن ليس ثمة قوة تستطيع زلزلة إيمان الناس بالطرفة.
ولكن ابن الصراف، وكان نحيفا عصبيا عنيدا، وإن كان قد أصابه اليأس كما أصابنا إلا أنه لم يسلم بالهزيمة، وظل الأمر يشغل باله ويكاد لا يفكر في غيره.
وذات يوم عنت له فكرة، فأخذ أوراقا من الطرفة وذهب إلى أستاذ في كليته، وحكى له الحكاية، وطلب منه تحليل الأوراق.
وفوجئنا حين أثبت التحليل أن في الورق نسبة من كبريتات النحاس التي تصنع منها القطرة.
وأشعنا الخبر في البلدة، أشعناه ونحن نصفق ونهلل وكأننا اكتشفنا كنزا كان مجهولا. وقلنا للناس: لا ضير عليكم من استعمال الطرفة؛ ففي أوراقها قطرة.
وهز الناس رءوسهم بلا حماس وغمغموا: جالكو كلامنا؟
كل ما حدث أنه حين مرت أعوام كثيرة، وعدنا إلى بلدنا موظفين وخبراء ومحترمين، وجدنا أن شجرة الطرفة لم يعد لها ذلك التقديس القديم، وأنها هزيلة شاحبة لم يعد حولها منتظرون ولا تخيف كما تخيف أم الغول.
अज्ञात पृष्ठ