فمَن تعلَّمه وتبحَّر فيه ونظر فيه منصِفًا غيرَ معاندٍ لم يجد فيه تناقضًا ولا تعارُضًا، بل وجده يصدِّقُ بعضُه بعضًا.
والثالث: أن هذا نهيٌ في المعنى وإن كان نفيًا في الصفة (^١)، وهو كقوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧] فإن هذه الكلمات لو حُملت على ظاهر النَّفي توجَّهَ عليه هذا الإشكال؛ فإنَّا نجد مَن يَرفثُ فيه ويَفسقُ ويجادل، لكنها (^٢) نهيٌ عن فعلِ ذلك في الحجِّ، فهذا مِثْلُه.
ونظيرُه قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٢٥] وقد أنكره الملحدون وشكَّ فيه المشركون، لكن وجوهه ثلاثةٌ:
أحدها: أنه لا شكَّ في وجوده وتحقُّقه في نفسه.
والثاني: أنه لا تجري أمورُه على الشكِّ والتلبيس.
والثالث: أنه نهيٌ عن الارتياب فيه؛ فإنه واقعٌ لا محالة.
وقوله تعالى: ﴿فِيهِ﴾ قرئ بكسر الهاء وضمِّها وسكونها (^٣)، وكلُّ وجهٍ على وجهين: أمَّا الكسرُ فلِلْياء التي قبلَها، وأمَّا (^٤) الضم فهي على الأصل؛ لأن أصل الكناية: هو، وأما التسكين فهو على (^٥) الوقف.
(^١) في (أ): "الصيغة".
(^٢) في (أ) و(ف): "لكنه".
(^٣) بالكسر قراءة الجمهور، وبالضم نسبت لمسلم بن جندب كما في "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٠)، وللزهري كما في "إعراب القرآن" للنحاس (١/ ٢٤)، أما السكون فأجازه النحاس في "إعراب القرآن" (١/ ٢٤)، ولعل المراد به رواية السوسي عن أبي عمرو: (فيه هدى) بالإدغام. انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢٠).
(^٤) "أما": سقط من (ف).
(^٥) في (ر) و(ف): "فعلى" بدل: "فهو على".