सिराज मुनीर
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
प्रकाशक
مطبعة بولاق (الأميرية)
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशक स्थान
القاهرة
शैलियों
هاشم لأنه شيء وكل شيء مقدور، واحتج بعض الفرق بأن هذه الآية تدل على أن الله تعالى ليس بشيء، قال: لأنها تدل على أنّ كل شيء مقدور لله تعالى والله ﷾ ليس بمقدور له فوجب أن لا يكون شيئًا، واحتج أيضًا على ذلك بقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ (الشورى، ١١) قال: لو كان هو تعالى شيئًا فهو تعالى مثل مثل نفسه فكان يكذب قوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ فوجب أن لا يكون شيئًا حتى لا يناقض هذه الآية.
واعلم أنّ هذا الخلاف في الاسم لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم، واحتج أصحابنا بوجهين: الأوّل قوله تعالى: ﴿قل أي شيء أكبر شهادة قل الله﴾ (الأنعام، ١٩) والثاني قوله تعالى: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ (القصص، ٨٨) والمستثنى داخل في المستثنى منه فوجب أن يكون شيئًا، وأجيب عن قوله: إنّ هذه الآية تدل على أن الله تعالى قادر على نفسه بأنّ تخصيص العام جائز في الجملة وأيضًا تخصيص العام جائز بدليل العقل.
فإن قيل: إذا كان اللفظ موضوعًا للكل ثم إنه تبين أنه غير صادق في الكل كان هذا كذبًا وذلك يوجب الطعن في القرآن، أجيب: بأنّ لفظ الكل كما أنه مستعمل في المجموع فقد يستعمل مجازًا في الأكثر فإذا كان ذلك مجازًا مشهورًا في اللغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذبًا. ورقق ورش الراء من قدير وصلًا ووقفًا، وباقي القراء بالترقيق وقفًا لا وصلًا.
ولما عدّ ﷾ فرق المكلفين وذكر خواصهم ومصارف أمورهم أقبل تعالى عليهم بالخطاب على سبيل الالتفات بقوله تعالى:
﴿يأيها الناس اعبدوا ربكم﴾ تحريكًا للسامع وتنشيطًا له واهتمامًا بأمرالعبادة وتفخيمًا لشأنها وجبرًا لمشقة العبادة بلذة المخاطبة ويا حرف وضع لنداء البعيد وقد ينادى به القريب تنزيلًا له منزلة البعيد، إمّا لعظمته كقول الداعي: يا رب ويا الله وهو أقرب إليه من حبل الوريد، أو لغفلته وقلة فهمه، أو للاعتناء بالمدعوّ له وزيادة الحث عليه، ولفظ الناس يعم الموجودين وقت النزول لفظًا ومن سيوجد تنزيلًا للمعدوم منزلة الموجود، لما تواتر من دينه ﵊ أنّ مقتضى خطابه وأحكامه شامل للقبيلين ثابت إلى قيام الساعة إلا ما خصه الدليل وإن قال الإمام الرازي: الأقرب أنه لا يتناوله لأن ﴿يا أيها الناس﴾ صرف خطاب مشافهة وخطاب المشافهة مع المعدوم لا يجوز وتناوله له لدليل منفصل وهو ما تواتر من دينه ﵊ أنّ أحكامه ثابتة في حق من سيوجد إلى قيام الساعة.H
فإن قيل: روي عن عقبة والحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن كل شيء نزل فيه ﴿يا أيها الناس﴾ فمكي و﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فمدني، فكيف تكون هذه السورة مكية وقد نزلت بالمدينة؟ أجيب: بأنّ المراد بقولهم: السورة مكية أو مدنية أنّ غالبها ذلك والأولى أن يقال إنّ ذلك أكثري لا كلي وأن سورة البقرة والنساء والحجرات مدنيات باتفاق وقد قال تعالى في كل منها: ﴿يا أيها الناس﴾ وسورة الحج مكية سوى ما استثنى وفيها من غيره ﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا﴾ ولا يختص ذلك الخطاب بالكفار ولا بأمرهم بالعبادة فإنّ المأمور به هو المشترك بين بدء العبادة والزيادة فيها والمواظبة عليها، فالمطلوب من الكفار هو الشروع فيها بعد الإيمان بما يجب تقديمه من المعرفة والإقرار بالصانع فإنّ من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به، وكما أن الحدث لا يمنع وجوب الصلاة فالكفر لا يمنع وجوب العبادة، بل يجب رفع الكفر والاشتغال بالعبادة ومن المؤمنين ازديادهم
1 / 31